إشكالية غياب المكافئ الثقافي بين اللغة المصدر واللغة الهدف من خلال بعض النماذج بين العربية والانجليزية

L’absence d’équivalence culturelle entre la langue source et la langue cible à travers certains modèles de traduction entre l’arabe et l’anglais

Louc

محبوبة بكوش Mahbouba Bekkouche

p. 109-117

Citer cet article

Référence papier

محبوبة بكوش Mahbouba Bekkouche, « إشكالية غياب المكافئ الثقافي بين اللغة المصدر واللغة الهدف من خلال بعض النماذج بين العربية والانجليزية », Aleph, 7 (1) | -1, 109-117.

Référence électronique

محبوبة بكوش Mahbouba Bekkouche, « إشكالية غياب المكافئ الثقافي بين اللغة المصدر واللغة الهدف من خلال بعض النماذج بين العربية والانجليزية », Aleph [En ligne], 7 (1) | 2020, mis en ligne le 20 avril 2020, consulté le 28 mars 2024. URL : https://aleph.edinum.org/2362

إن الاختلافات الثقافية والحضارية بين اللغات تجعل من عملية نقل بعض العناصر الثقافية عملية صعبة إن لم تكن مستحيلة لا سيما في حالة غياب المكافئ الثقافي، باعتبار أن هذه العناصر تتضمن شحنات ثقافية تقف في خلفية النص الأصلي وتحيط به، وعلى المترجم بين لغتين أن يكون ملما بخصائصهما المختلفة وبالإرث الحضاري والثقافي الذي تتكئ عليه كل منهما، وأن يترجم ليس فقط العناصر المختلفة ضمن الإطار الإبستمولوجي، بل أيضا عليه أن يترجم كل ما تختزنه اللغة من مكونات ثقافية، على أن العناصر الثقافية تختلف من مجتمع لآخر، لذا فللترجمة أهمية في التعامل معها ههنا بحذر، بوصفها المرآة التي تعكس فهم هذه العناصر واستيفاء معاييرها في اللغة الأصل، ثم تنقلها إلى المتلقي في اللغة الهدف.

كما نرى أنه على المترجم أن يكون حذرا وملما في فهم المعايير التي تضبط المعاني الثقافية والاجتماعية للمفاهيم الدينية والسياسية للتخفيف من حدة غيابها في اللغة الهدف، وأن يحترم البصمة الثقافية للغة المصدر عند تعامله مع المفاهيم التي تتعلق بالعادات والتقاليد والمعتقدات الشعبية، حتى لا يشوه معاني المفاهيم في ثقافة النص المصدر عند نقلها إلى ثقافة اللغة الهدف.

Les différences culturelles entre les langues rendent le processus de transfert de certains éléments culturels un processus difficile surtout en l’absence d’équivalent culturel, étant donné que ces éléments ont des connotations culturelles inclus dans le texte original. Le traducteur entre deux langues doit avoir connaissance de leur différents caractéristique et de leur héritage culturel et qu’il traduit non seulement les différents éléments dans le cadre épistémologique mais aussi qu’il doit traduire tout ce que la langue contient comme éléments culturels et que les éléments culturels diffèrent d’une communauté à l’autre. La traduction doit tenir compte de ces éléments et répondre à leurs critères dans la langue source, puis les transmettre au destinataire dans la langue cible.

This paper deals with some of the most problematic areas in cultural translation a translator could encounter particularly between languages which belong to completely different cultures such as in the case of English and Arabic. It is very important to mention here that the problems of translation do not so much stem from universal concepts as from the culture-specific. Since from the point of view of translation the, on one hand, « universal » concept is that which causes few problems in ’equivalence’. On the other hand, the « cultural-specific » is the concept which it is impossible to translate without a thorough knowledge of the cultures between which the transfer of meaning is to take place. This problem can only be overcome (if at all) by a knowledge of the general cultural context of such concepts and thus, through an expansion of the subject matter, i. e. a broader definition of the meaning that is to be transferred.

مقدمة

تبني الترجمة جسورا للتواصل بين الحضارات والثقافات المختلفة، حيث يجري تقديم الناس من خلالها إلى لغات متعددة وأنماط مختلفة من التفكير. ويعتبر المترجم العنصر البؤري في هذه العملية، لأنه يقيم علاقة بين أدلة لسانين وثقافتين وبين أدلة عدة ألسن وثقافات، وهذا هو المجال المثالي للتفكير في الترجمة، لأن هذا التفكير يبين العلاقة الموجودة بين تأويل الثقافة وفهمها، كما يبين عملية الترجمة المحضة في تصادم عالمين لم تكن بينهما علاقة في السابق.

إن المعرفة بالثقافة المستهدفة هو أمر حاسم لنجاح الترجمة بين لغتين، حيث تتماشى درجة جهل الثقافة طردا مع درجة مقاومة الترجمة، وبعبارة أخرى تصعب الترجمة على المترجم الذي يجهل الثقافة الأجنبية للغة الهدف. وكلما تفاقم هذا الجهل ازدادت صعوبة الترجمة، وهي صعوبة تعكس الوضعية التي يوجد عليها التلاقي الثقافي بين اللغتين موضوع الترجمة، فكلما كان هذا التلاقي مكثفا تراجعت صعوبة الترجمة، ويستدعي هذا الأمر الشرح الموازي للترجمة والثقافة في آن واحد.

وتعد مشكلة نقل العناصر الثقافية بين الانجليزية والعربية من أهم ما يعترض سبيل المترجم، ومرد ذلك عدم الانسجام بين المجتمعات العربية والمجتمع الانجليزي على المستوى الديني والسياسي وعلى مستوى العادات والتقاليد والمعتقدات في أبعادها الثقافية الاجتماعية وكذا مستويات أخرى. فكل لغة لديها تفردها مما يجعلها مميزة وخاصة بالناس التي يتحدثونها. وعلى المترجم أن يكون أكثر اطلاعا على الحضارة والثقافة المستهدفة وبالتالي أكثر ألفة معها. وفيما يلي نعرض بعض النماذج التي يغيب فيها المكافئ الثقافي بين اللغتين المصدر والهدف :

1. على مستوى المعيار الديني

تطرح المفاهيم الدينية صعوبات كثيرة أثناء ترجمتها من لغة إلى أخرى، وترجع هذه الصعوبات إلى دلالة الكلمات وحدود معانيها بين لغة وأخرى، وكذلك إلى عدم وجود مكافئ ملائم ودقيق لهذه المفاهيم في اللغة الهدف، لأنها تحمل تصورات ودلالات غير معروفة في هذه الأخيرة، بسبب اختلاف تجارب الفرد مع اللغة في كلتا الثقافتين، واختلاف الأحداث الاجتماعية التي ترتبط بها اللغة وتتلون دلالة كلماتها تبعا للأحداث التي تعرفها، وقد سبق أن عبر كاتفورد Catford عن هذه الوضعية بقوله :

 » Cultural untranslatability arises when a situational feature, functionally relevant for the source language text, is completely absent from the culture of which the target language is a part» (Catford 1965 :99)

أي يبرز تعذر الترجمة الثقافي عندما تكون إحدى الخاصيات الوضعية الهامة من الناحية الوظيفية بالنسبة لنص اللغة المصدر غائبة تماما عن الثقافة التي تعتبر اللغة الهدف جزءا منها. وتكمن صعوبة الترجمة في كون اللغة ليست قائمة كلمات يكفي استبدال كلمة بأخرى للحصول على المكافئ المطلوب في اللغة الثانية، فلو كان الأمر كذلك، لسهلت الترجمة ولأصبح بمقدورنا دائما أن نترجم ترجمة حرفية وكلمة كلمة (Mounin 1976 :61)

إذن يتجلى تعذر الترجمة في كونها تجمع بين نظامين لغويين مختلفين، وبين ثقافتين مختلفتين للكون وللواقع، فدلالة المفاهيم ترتبط في ذهن الفرد بمجموعة من التجارب الخاصة والأحداث الاجتماعية التي يمر بها، وقد تختلف إيحاءاتها من فرد لآخر من نفس البيئة(Mounin 1963 :251) فماذا لو نقلناها إلى لغة أخرى وثقافة وبيئة اجتماعية مختلفة؟ وعند محاولة نقل المفاهيم الدينية من لغة إلى أخرى، يواجه المترجم صعوبة في إيجاد المكافئ المناسب الذي يحمل نفس الدلالة والإيحاءات التي تعبر عنها في الأصل. ويظهر هذا جلياً عند ترجمة المفاهيم الدينية الإسلامية إلى اللغة الإنجليزية حيث تواجهنا مشكلتين رئيسيتين وهما :

1.1. خصوصية المفهوم الديني الإسلامي 

  1. وذلك على مستوى معاييره الدلالية وأداؤه وشحنته الدينية الخاصة، ونقصد بها أن مدلول المفهوم الديني الإسلامي بصفته العامة ليس كمدلول المفهوم المترجم في اللغة الانجليزية، فعلى سبيل المثال، « prayer » في الإنجليزية ليس سواء للجميع، أي صلاة النصراني ليست كصلاة اليهودي أو الوثني، وهذه كلها مختلفة اختلافاً كلياً عن مفهوم الصلاة عند المسلم. لذا يعد المفهوم الإنجليزي مفهوما نسبيا في معياره المقارن يقرب الأمر إلى أذهان غير المسلمين، أي يفهمون منه أن عند المسلمين صلاة، ولكن كيف؟ هذا ما لا يستطيع المفهوم الإنجليزي أن يتضمنه. وكذا الأمر بالنسبة لتسميات الصلوات الخمس، حيث لا يمكن لأي إنسان غير مسلم ولا يعرف عن الإسلام شيئاً ولا عن هذه الصلوات أن يفهم بالضبط معنى صلاة الصبح وصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ناهيك عن عدد ركعات كل واحدة، وماذا نقرأ فيها؟ وكيف نؤديها؟ والفرض والسنة في كل منها، وما إلى ذلك من تفاصيل فقهية.

  2. وكذلك الشأن بالنسبة للحج، فالنصراني واليهودي وحتى الهندوسي يحجون، ولكن شتان بين مفهومهم ومفهوم المسلمين للحج، إن كلمة « pilgrimage » تحمل في مضمونها الترحال لزيارة مكان مقدس وفقاً لقناعات دينية غربية، لكنها تختلف عن مضمون كلمة » حج » في أن القصد به هو الترحال إلى بقعة بعينها هي مكة المكرمة، وعليه فإن مفهوم « pilgrimage » نسبي وليس لمدلوله أي علاقة بمدلول « الحج « في بعده الثقافي الإسلامي، بل هو مفهوم عام يشير إلى أن المسلمين يحجون.

2.1. غياب المفهوم الديني الإسلامي 

إن غياب المفهوم الديني الإسلامي في اللغة الإنجليزية قد يجعل ترجمته أكثر صعوبة، ومثال ذلك مفهوما : الزكاة والعمرة، فلو بحثنا في طول اللغة الإنجليزية وعرضها عن مكافئ لهما لا نجده أي غائب، ولقد ترجمت الزكاة في أغلب المواضع، بـ » charity » أو « alms » والحقيقة أن مفهوم « الزكاة » ليس مكافئا لـ» الصدقة » التي تكون طوعية، في حين أن الزكاة- بتفاصيلها الفقهية- مفروضة ولا خيار للمسلم فيها، ولا وجود لها في الإنجليزية، وعليه فإن ترجمة زكاة بكلمة « charity » أو » alms » ليست كافية، لأنها لا تنقل المعنى المراد للزكاة في الشريعة الإسلامية. أما مفهوم عمرة، فهو غالبا ما يترجم صوتيا al-umra بالطريقة المعروفة transliteration مع تقديم شرح لمعناه في الحاشية، كأن نقول مثلاً :

al-umra, an Islamic religious ritual which, like a pilgrimage, involves a visit to the holy places in Mecca. However, what differentiates al-cumra from a pilgrimage is that the former could be performed anytime during the year and it is considered to be, religiously speaking, less important than the latter

إن القضية هنا إذا قضية دقة، وكما لاحظنا فإن أي ترجمة لأي مفهوم إسلامي هي ترجمة نسبية قاصرة في معاييرها الدلالية- المعنوية عن الاحتواء الدقيق والكامل لأبعاد هذا المفهوم في الثقافة الإسلامية، كما يفهم في الدين الإسلامي الفهم الصحيح. وهنا يبرز دور المترجم فهذا الأخير يحتاج، في مثل هذه الحالة، إلى بذل قصارى جهده لتحقيق أقصى درجة ممكنة من الفهم عند القراء في اللغة الهدف، وذلك من خلال :

  • الفهم الدقيق للمفهوم الذي يترجمه.

  • الافتراض بأن القارئ الموجه إليه الترجمة لا يعرف شيئاً عن هذا المفهوم أو عن الإسلام، أي يترجم المفهوم وكأنه يخاطب الأجنبي غير المسلم الذي قد تكون معرفته بالإسلام لازالت في المهد.

  • ولعل من أصعب القرارات التي يتخذها المترجم هو أن يختار ما بين اللفظة المكافئة في الانجليزية والتي غالباً ما تختزل المعنى وتوجزه فلا يصل المعنى كاملاً للمتلقي، وبين النقل الصوتي الذي يكون غريبا على المتلقي. وفي كلتا الحالتين نحتاج إلى الشرح والتفسير ووجود الهوامش لمحاولة الوصول بالترجمة إلى المعنى المراد له.

2. على مستوى المعيار السياسي 

تقتضي ترجمة المفاهيم والعبارات السياسية إتقان اللغة المصدر والهدف بأبعادها الثقافية والاجتماعية، كون اللغة السياسية تلجأ في مواضع كثيرة إلى استعمال معيار الكناية والمعاني المجازية والتداولية بأبعاد ثقافية للفت انتباه المتلقي، مما قد يشكل العقبة الكأداء في عملية الفهم والإفهام أي التواصل بين النص في اللغة المصدر والنص في اللغة الهدف بالنسبة للجمهور المستهدف. وهنا يأتي دور المترجم للتخفيف من حدة غياب المفهوم السياسي بأبعاده الثقافية أو الاجتماعية في اللغة الهدف، فعلى سبيل المثال تترجم العبارة الانجليزية : 10 Downing Street declares في كثير من الجرائد والمحطات الفضائية العربية على النحو الآتي : « أعلن تان داونينج ستريت» 1 

وترمز عبارة 10 Downing Street لمقر الحكومة البريطانية ومقر الإقامة الرسمية ومكتب رئيس وزراء بريطانيا، الواقع بـ « وستمنستر» ، وسط مدينة « لندن» ، والتي تمثل أحد أهم رموز الموروث الثقافي البريطاني. إن هذا النوع من الترجمة قد يصعب فهمه عند المتلقي العربي ذو الثقافة الانجليزية المحدودة، وقد لا يصعب كثيرا على المتلقي العارف باللغة الانجليزية والنظم السياسية الانجليزية. وعليه نرى أنه من المستحسن لو تترجم عبارة 10 Downing Street declares باستعمال ترجمة شارحة للمعنى الكنائي المضمر في هذه العبارة ببعده السياسي الثقافي كأن نقول : أعلنت الحكومة البريطانية. والشيء ذاته قد ينطبق على المتلقي في الثقافة الانجليزية عندما يسمع أو يقرأ عبارة « قصر المرادية « والمراد لها قصر الرئاسة.

3. على مستوى معيار المعتقدات الشعبية 

إن الاختلافات الثقافية والحضارية بين اللغات سمة من سمات وجودها، ولابد للمترجم بين اللغتين أن يكون ملماً بخصائصهما المختلفة وبالإرث الثقافي والحضاري التي تتكئ عليه كل منهما. وقد يبرز هذا الاختلاف حين تكون بعض المعتقدات تحمل في طياتها مفهوما ما في أحد المجتمعات، بينما تحمل في مجتمع آخر مفهوماً مختلفاً عنه. فإذا كان المترجم يجهل هذا الاختلاف فهذا سيؤدي حتما إلى سوء الفهم، أو كما يسميه إلياس Illyas الاختلاط. ويضرب مثالا على ذلك بكلمة « البومة » owlالتي هي رمز للشؤم في المجتمعات العربية بينما هي رمز للحكمة في المجتمع الإنجليزي، فنجده يقول : لنفرض أن أحدا ما صادف وهو يترجم نصا انجليزياً حديثاً كلمة « owl» بمعنى « البومة» ، وهي سهلة الترجمة إلى العربية، ولكنها في ضوء الاختلاف الحضاري تتوه عن مبتغاها، فالبومة تمثل مخلوقا جماهيريا لدى كلا المجتمعين، فهي في المجتمع الإنجليزي طائر يحمل دلالات إيجابية كالحكمة والرحمة، بينما في مجتمعنا العربي فدلالته سلبية. إن البومة لدينا رمز للتشاؤم، فلو حاول شخص انجليزي أن يمدح عربيا قائلا له : « أنت كالبومة» ، ويقصد بذلك « حكيما ورحيما « ، فالنتيجة ستكون حتما عكسية، كون الشخص العربي سيشعر بالإهانة والإساءة إليه من خلال تشبيهه بالبومة، لأنه سيفهم منها أن» حضوره مشؤوم « وعليه يرى إلياس أنه إذا صادف المترجم مثل هذه الحالة، فيتوجب عليه البحث عن مكافئ وظيفي في تلافيف اللغة العربية لإيجاد طائر يحمل صفات مشابهة في موروث القارئ العربي ويستبدل به البومة، وإن لم يجد فلا بأس من الايضاح من خلال إشارة مرجعية في الهامش. (Illyas 1989 :124-5)

4. على مستوى معيار العادات والتقاليد 

لكل مجتمع عاداته وتقاليده التي تحدد هويته وتميزه عن غيره، وقد تتشابه العادات أو تختلف، أو يكون بينها قواسم مشتركة، لكن يظل في النهاية لكل مجتمع الموروث الثقافي الشعبي الخاص به. ولاشك أن نقل مجال من مجالات الحياة في ثقافة من الثقافات قد لا يكون يسيراً إن لم يتوفر له مكافئ في ثقافة اللغة الهدف، فكيف ينقل المترجم إلى الانجليزية عبارات مثل : « بصحتك « التي تقال في الجزائر وفي بعض دول المغرب العربي أو» نعيما « التي تقال في بعض مجتمعات المشرق العربي للشخص بعد خروجه من الحمام أو بعد الحلاقة، وكذلك عبارة « سفرة عامرة» التي تقال في بعض دول المشرق العربي بعد الانتهاء من الأكل. إن مثل هذه التعابير لا وجود لمكافئات لها في الإنجليزية، وبذلك فهي تطرح صعوبة وإشكالا في الترجمة لانعدام المكافئ، ولعل السبيل الوحيد المتاح أمام المترجم في مثل هذه الحالات هو تقديم شرح في الهامش. footnotes

5. على مستوى معيار ألفاظ القرابة 

إن دور اللغة في المجتمع لا يقتصر على اعتبارها أداة للاتصال بين أفراده فقط، بل إنها أصبحت تمثل جزءا أو عنصرا هاما من عناصر التفاعل الثقافي بين الشعوب، وإن فهمها فهما جيدا يتوقف على فهم أنماط الثقافة السائدة في مجتمع اللغة المصدر والهدف، فدراسة العلاقة الواضحة بين اللغة والمحتوى الثقافي لا يعني شيئا أكثر من أن اللغة لها أساس ثقافي، وأنه لا يمكن بالتالي تحديد مفردات اللغة ودلالاتها تحديدا دقيقا إلا بمعرفة البنية الثقافية لهذه المفردات أو لهؤلاء الناطقين بها (أحمد أبو زيد، 1971 :15 )، فنحن إذا لا نستطيع أن نفهم اللغة ومفرداتها فهما صحيحا بمعزل عن الثقافة التي تمثل معتقدات وتجارب الجماعة اللغوية، ومن هذا القبيل اختلاف اللغات في التعبير عن درجات القرابة، فما يمكن أن نعبر عنه بكلمة واحدة في العربية يعبر عنه بكلمتين أو أكثر في الانجليزية وقد يكون العكس، فبينما تستعمل العربية كلمتي « الجد» و » الجدة » تستعمل الانجليزية التعبيرين grand-mother وgrand-father وبينما تستعمل العربية لفظي « حمو « و» حماة « تستعمل الانجليزية التعبيرين mother in law وfather in law ونجد عكس ذلك في العربية والانجليزية أيضا، فما تعبر عنه العربية بلفظين ستعبر عنه الانجليزية بلفظ واحد، فبينما تستعمل العربية تعبيري « ابن العم « و» ابن الخال» تستعمل الانجليزية لفظا واحدا هوcousin لأن الانجليزية وغيرها من اللغات الأوروبية لا تفرق كما تفعل العربية وبعض اللغات السامية والإفريقية بين « العم « و « الخال « ، وإنما تشير إليهما بلفظ واحد. وبينما تستعمل العربية التعبيرين « ابن الأخ « و» ابن الأخت « تستعمل الانجليزية كلمة واحدة هي nephew للتعبير عن الاثنين معا، وبينما تستعمل العربية تعبير» ابنة الأخ « أو» ابنة الأخت» تستعمل الانجليزية كلمة واحدة هي niece للتعبير عن الاثنين معا.

هذا التفاوت في ألفاظ القرابة بين اللغتين العربية والانجليزية والذي يعود إلى التباين الثقافي بين المجتمعين العربي والإنجليزي قد يطرح إشكالا في الترجمة خاصة من الانجليزية إلى العربية، حيث تترجم كلمة uncle في الانجليزية إلى أربع كلمات في العربية، هي العم والخال و زوج العمة وزوج الخالة، ومثلها كلمةaunt التي تترجم إلى العمة والخالة وزوجة العم وزوجة الخال. أما كلمة cousin فتترجم إلى ثماني كلمات هي : ابن العم وابن العم وابن الخال وابنة الخالة وبنت العم وبنت الخال وبنت العمة وبنت الخالة. وعليه فقد يصعب على المترجم، بل يمكن حتى أن يخطئ في إيجاد المكافئ الصحيح للفظ القرابة في الانجليزية إن لم تكن هناك معلومات إضافية في النص الإنجليزي تبين طبيعة هذه القرابة.

خاتمة

حاولنا من خلال هذا المقال معالجة بعض المستويات في معاييرها الدينية والسياسية وكذا العادات والتقاليد والمعتقدات الشعبية وألفاظ القرابة عند غياب المكافئ الثقافي بين اللغة المصدر( = العربية) واللغة الهدف ( = الانجليزية)، ولقد تبين لنا أن للعناصر الثقافية دور مهم في البنية الثقافية للغتين المصدر والهدف، مما يجعل المترجم أمام إشكالية صعبة عند تعامله معها أثناء عملية الترجمة.

ولاحظنا أن المفاهيم الدينية الإسلامية تحمل معايير ثقافية متميزة، بحيث لا نجد لها مفاهيم مكافئة في اللغة الانجليزية، وبالتالي على المترجم أن يراعي هذه الأمور بحذر شديد خلال عملية الترجمة وبعكسه قد ينقلها بتشويه لمحتواها وشحنتها الدينية والثقافية والإيحائية، وهذا ما يجعلنا نميل إلى إبقائها على أصلها مع الإشارة في هوامش الترجمة إلى شرح وتفسير معانيها ومضامينها المقصودة، حتى يتسنى لنا تقريب خصوصيات المفهوم الديني الإسلامي إلى ذهن القارئ غير المسلم ليتمكن من فهمها فهما صحيحا ضمن معاييرها المراد لها.

كما نرى أنه على المترجم أن يكون حذرا وملما في فهم المعايير التي تضبط المعاني الثقافية والاجتماعية للمفاهيم السياسية للتخفيف من حدة غيابها في اللغة الهدف، وأن يحترم البصمة الثقافية للغة المصدر عند تعامله مع المفاهيم التي تتعلق بالعادات والتقاليد والمعتقدات الشعبية، حتى لا يشوه معاني المفاهيم في ثقافة النص المصدر عند نقلها إلى ثقافة اللغة الهدف.

Catford, John(1965). A Linguistic Theory of Translation. London. Oxford University Press.

Mounin, George. (1963). Les problèmes théoriques de la traduction. Paris. éd. Gallimard.

Mounin, George. (1976). Linguistique et Traduction. Bruxelles. Dessard et Margada.

Illyas, A. (1989). Theories of Translation. Theoritical Issues and Practical. University of Mosul

أحمد، عادل.2019. « عمره 336 عاما.. ماذا تعرف عن « 10 داونينج ستريت» مقر إقامة رؤساء وزراء بريطانيا » . جويلية 2019. بوابة الأهرام http://gate.ahram.org.eg/News/2246952.aspx. بتاريخ 02/12/2019

أبو زيد، أحمد.1971. « حصارة اللغة » . مجلة عالم الفكر. 1971. العدد1.المجلد 2. الكويت : المجلس الأعلى للثقافة. ص25

محبوبة بكوش Mahbouba Bekkouche

جامعة الجزائرAlger 2

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article