أثر الوسط المدرسي في جنوح الأحداث: دراسة ميدانية

The effect of the school environment on juvenile delinquency: A field study of the effect of school on juvenile delinquency

بقادة فاطمة إكرام Fatima Ikram Bekada et بقادة زينب حميدة Zayneb Hamida Bekada

Citer cet article

Référence électronique

بقادة فاطمة إكرام Fatima Ikram Bekada et بقادة زينب حميدة Zayneb Hamida Bekada, « أثر الوسط المدرسي في جنوح الأحداث: دراسة ميدانية  », Aleph [En ligne], mis en ligne le 28 mars 2024, consulté le 10 mai 2024. URL : https://aleph.edinum.org/11318

لا يستطيع الباحث قي ميدان جنوح الأحداث أن يغفل دراسة دور المدرسة في حياة الحدث، ليس كقوة وقائية يمكن أن تحول دون انحرافه أو كقوة علاجية يمكن أن تلعب دورا إيجابيا في تقويمه إذا انحرف ,بل كقوة سببية يمكن أن تولد حالات من الانحراف.

من هذا المنطلق يمكن طرح الإشكال المحوري لهذه الورقة البحثية المتمثل في الكشف عن العلاقة بين قصور المدرسة في أداء رسالتها التربوية في وقاية الأحداث من الانحراف وحالات الجنوح، وحقيقة إسهامها المباشر أو غير المباشر في ظهور الانحراف أو الجنوح؟

Le chercheur dans le domaine de la délinquance juvénile ne peut pas négliger l’étude du rôle de l’école dans la vie du mineur, non pas comme une force préventive qui peut empêcher sa délinquance ou comme une force thérapeutique qui peut jouer un rôle positif en le corrigeant s’il dévie, mais plutôt comme une force causale qui peut elle-même créer des cas de déviance. De ce point de vue, la problématique centrale de cette recherche peut être posée, à savoir mettre en évidence la relation entre la défaillance de l’école dans sa mission éducative de protection des mineurs contre la délinquance, et la vérité sur la contribution directe ou indirecte de l’école à l’émergence de la déviance ou de la délinquance.

The researcher in the field of juvenile delinquency cannot neglect studying the role of the school in the life of the juvenile, not as a preventive force that can prevent his delinquency or as a therapeutic force that can play a positive role in correcting him if he deviates, but rather as a causal force that can itself create cases of deviance. From this standpoint, the central problem of this research can be raised, which is to reveal the relationship between the school’s failure to perform its educational mission in protecting juveniles from delinquency, and what is the truth about the school’s direct or indirect contribution to the emergence of deviance or delinquency?

مقدمة

يعتبر جنوح الأحداث من الظواهر التي عانت منها كل دول العالم مع الاختلاف في درجة حدتها من مجتمع إلى آخر تبعاً للظروف التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل مجتمع، وتبعا لتباعد درجات النمو الحضاري بين هذه المجتمعات.

وإذا كانت ظاهرة جنوح الأحداث لم تعرف في الماضي كمشكلة اجتماعية ذات خطورة فإنّ زيادة معدلات الجرائم التي صار يرتكبها الأحداث والأطفال في السنوات الأخيرة أصبحت مدعاة للقلق مما استلزم اتخاذ إجراءات وممارسات متعددة للتصدي لهذه الظاهرة بهدف التخفيف من أخطارها. ويعد التسرب المدرسي إماّ عن طـريق الطـرد أو التخلي الطوعي عن الدراسة نتيجة للفشل الدراسي المتواصل سبباً في إفلات شريحة هامة من الأحداث من مواصلة الدراسة لتفتح لهم أبواب الأخطار التي تترصدهم في الشارع.

إن ظروف التدريس الصعبة الناجمة عن نقص الوسائل واكتظاظ الأقسام وصعوبة تطوير المناهج التربوية، ولجوء المدرسين بإفراط إلى الضغط بواسطة العقوبة والعنف الجسدي واللفظي نظرًا للنقص في التكوين البيداغوجي والنفسي والاجتماعي للمعلم الذي غالباً ما يؤدي إلى سوء التكيف المدرسي، خاصة وأن الأحداث في سن المراهقة يكونون بحاجة إلى تأكيد ذواتهم، مما يدفعهم إلى كره الدراسة، ومن ثم التخلي عنها والبحث عن طرق ووسائل أخرى لتأكيد ذواتهم والتي غالبا ما تتمثل في السلوك العنيف والتدخين وتعاطي المخدرات إلى غيرها من الأفعال الخطيرة التي يمارسها الحدث كتعويض للإخفاق الدراسي.

إن الأحداث المتسربين من المدارس، والذين ينحدر معظمهم من أسر فقيرة غالباً ما يجدون أنفسهم تحت رحمة الشارع وفي فراغ تام نظرا لعجزهم عن إيجاد عمل أو مقعد في مراكز التكوين المهني فيلجئون إلى ممارسة نشاطات تجارية غير مصرح بها أو احتمال دخولهم إلى عالم الجناح والجريمة.

ولأهمية التعرف على علاقة المدرسة بجنوح الأحداث جاءت هذه الدراسة لتقف على مدى إسهام المدرسة المباشر أو غير المباشر في ظهور الانحراف أو الجنوح لدى الأحداث.

1. الجانب المنهجي

1.1. الإطار العام للدراسة

1.1.1. مشكلة الدراسة

لقد تعرض المجتمع الجزائري لتغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية عميقة في إطار خوضه معركة التحضر والتصنيع السريع من أجل التنمية الشاملة التي نتجت عنها تناقضات حضارية مست الكثير من المؤسسات العاملة في مجال الضبط الاجتماعي التي أصبحت تواجه مشكلات بيئية واجتماعية خطيرة من بينها ارتفاع الجريمة وانحراف الطفولة.

وإذا أردنا الوقوف على مدى علاقة جناح الأحداث باختلالات الوسط المدرسي في المجتمع الجزائري نجد أن ذلك يرجع إلى قصور المدرسة في أداء وظائفها، ومن هنا تحاول هذه الدراسة الإجابة على التساؤل التالي

  • هل يؤدي فشل الأحداث في تحصيلهم الدراسي إلى انحرافهم وجنوحهم؟

2.1.1. أهمية الدراسة

تنبثق أهمية الدراسة من أهمية الموضوع الذي نتصدى لدراسته حيث أن للمدرسة دور مهم في وقاية الأحداث من الانحراف والجنوح. ونظرا لكونها من مؤسسات الضبط الاجتماعي الأكثر أهمية في حياة الأحداث من حيث تأثيرها المباشر في سلوكهم واتجاهاتهم وتهدف هذه الدارسة إلى محاولة التعرف على النقائص التي تعانيها هذه المؤسسة، والتي أثرت بشكل قوي في توجه الأحداث نحو التسرب المدرسي ومن ثم انحرافهم وجنوحهم.

ولمّا كان عاملا الفشل المتواصل في التحصيل الدراسي وأسلوب القسوة والإهمال من أقوى الأسباب المؤدية إلى هذه الظاهرة ارتأينا تحليل وتشخيص هذا الواقع، ومعالجة أهم الأسباب التي تؤدي إلى تسرب التسرب المدرسي والاتجاه نحو الانحراف والجنوح.

2.1. الدراسات السابقة

دراسة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بعنوان «عمالة الأطفال في مصر»، وقد تكونت عينة الدراسة من (480) طفلا متسربا من المدارس، وبعد تحليل الأسباب التي أبداها الأطفال المتسربون رتبت إلى خمسة أسباب رئيسية بحسب تكرارها وأظهرت نتائج الدراسة أنّ أول الأسباب التي دعت المبحوثين إلى التسرب كانت الفشل في التعليم بنسبة (68 %) (المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية – 1991 - ص 40 ).

وفي دراسة أخرى قام (أحمد شبشوب، 1991) بسبر لآراء عينة مكونة من (43) معلماً ينتمون للتعليم الثانوي التونسي، وتبين من الدراسة أن ما يطغى على تصورهم لتلاميذهم هو الصفات الفكرية المتعلقة بالتحصيل المدرسي والفهم والاستيعاب فيما يضعون الصفات الإنسانية للتلميذ في المرتبة الأخيرة. (شبشوب - 1991 ص ص 298 – 299 ).

وفي دراسة أخرى قام بها) لوبلان Leblanc) بكندا حول مسؤولية المدرسة في جنوح الأحداث، حاول من خلالها التعرف على المتغيرات المدرسية التي لها علاقة بكره التلاميذ للدراسة وبالتالي النفور من المدرسة، وقد اقترح نموذجاً تفسيريا ًلانحراف الأحداث يحتوي على خمسة أصناف أساسية للمتغيرات المدرسية وهي: الشروط البنيوية (تربية الوالدين ومستوى تعليمهم) الكفاءات (التأخر المدرسي، النتائج، التحصيل) العلاقات بالمدرسة (التعلق بالأستاذ، الالتزام المدرسي.. ) السلوك في الوسط المدرسي والعقوبات المفروضة في هذا الوسط. وقد أظهرت التحاليل أن العنصرين الأخيرين لهما ارتباط مباشر بالسلوك الانحرافي. : 396-367) 1985 Leblanc).

وقد توصلت دراسة ميدانية قام بها عبد الله بيومي بالقاهرة نشرها المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية حول الاحتفاظ بتلاميذ مرحلة التعليم الأساسي في مدارسهم إلى قائمة بالعوامل المؤدية إلى التسريب المدرسي في مرحلة التعليم الأساسي أمكن الاستدلال عليها من المتسربين أنفسهم من أبرزها جفاف طريقة المعلمين في الشرح وعدم فهم التلاميذ للدروس حيث تتجه الطرق المتبعة نحو الإلقاء أكثر من اهتمامها بتفاعل التلاميذ وحل مشكلاتهم. كما حصل عامل قسوة المعلمين في التعامل مع التلاميذ على المرتبة الأولى من بين 21 سببا لترك المدرسة في رأي المتسربين. (بيومي 1993 : 94 –146).

وقد أرجعت دراسة نشرتها منظمة الأمم المتحدة للأطفال (اليونيسيف: أكتوبر1994) التسرب المدرسي إلى التحصيل الدراسي المنخفض، والفشل في تحقيق النجاح وتقدير الذات، (منظمة اليونيسيف 1994: 46).

كما أجرى «على مانع» دراسة للكشف عن العوامل الرئيسية المرتبطة بالتغير الاجتماعي التي أدت بالجانحين إلى ارتكاب الجرائم في المناطق الريفية والحضرية من المجتمع الجزائري. وقد تضمنت عينة البحث مجموعة تجريبية تكونت من (100) حدث جانح يتراوح سنهم ما بين (12 – 18) سنة ومجموعة أخرى ضابطة بنفس العدد تكونت من تلاميذ من أقسام مختلفة لأربع مدارس بشرق الجزائر، وقد حرست الدراسة على أن تكون المجموعتان متماثلتان من ناحية التوزيع الجغرافي (ريفي – حضري) والسن.

أوضحت نتائج الدراسة أن الأمية والطرد والهروب من المدرسة كلها عوامل أساسية مرتبطة بجنوح الأحداث، حيث تبين أن (80 , 43 %) من الجانحين الحضريين طردوا من المدارس بسبب فشلهم الدراسي مقابل (37 %) من الجانحين الريفيين وأن (10 %) من الجانحين غادروا المدرسة بسبب المعاملة السيئة التي تلقوها من معلميهم (مانع - 2002 - ص 84 ).

3.1. منهج البحث) العينة والحدود)

لقد اعتمد البحث المنهج الوصفي التحليلي للتأكد من صحة الفرضيات التي وضعت لفهم واقع الوسط المدرسي في الجزائر وأثره في جنوح الأحداث، والحصول على مجموعة من المعلومات الدقيقة حول علاقة الموضوع ووصفها وتحليلها وتفسيرها ومقارنتها وإدراك الأسباب التي تكمن وراء هذه الظاهرة وتؤثر فيها.

يتكون مجتمع البحث من الأحداث الذكور المتسربين من المدارس والذين تتراوح أعمارهم بين السابعة والتاسعة عشرة وقت ارتكابهم للفعل المكون للجنوح، وصدرت بحقهم أحكام قضائية أودعوا بموجبها في مراكز إعادة التربية، وقد بلغ عددهم (520) حدثا جانحا موزعين كالتالي: (300) حدث جانح بمراكز إعادة التربية بالجزائر العاصمة، (97) بمراكز ولاية وهران و(123) بمراكز ولاية سطيف.

تم إجراء البحث بمراكز إعادة التربية المتواجدة في كل من ولايات الجزائر العاصمة ووهران وسطيف، واقتصر البحث على الأحداث الجانحين الذكور المتسربين من المدارس في الفترة الواقعة ما بين 2009 / 2010 وهي الفترة التي استغرقتها الدراسة لجمع البيانات المتعلقة بالبحث.

4.1. أدوات البحث

تضمنت أداة البحث التي استخدمت في معرفة علاقة الوسط المدرسي بجنوح الأحداث استمارة المقابلة.

قبل تصميم استمارة المقابلة في صفتها النهائية قامت الباحثة بإجراء دراسة أولية على (25) حدثا جانحا موزعين على مراكز إعادة التربية للولايات الثلاث التي تم فيها البحث، وقد تم هذا الاختيار بطريقة المقابلة الشخصية لملاحظة سلوك الأفراد وقت الإجابة ومناقشتهم في بعض الأسئلة وتحديد الزمن الذي استغرقته في ملئها وتحديد درجة استجابة المبحوثين للبحث وصعوبة اللغة ومعرفة ما إذا كانت الألفاظ والعبارات في مستوى فهم المبحوثين، وذلك بغرض إزالة الغموض عن بعض الأسئلة، وبناءا على ذلك تم تعديل بعض الأسئلة وحذف البعض الآخر وإضافة بعض الأسئلة اكتشفت الباحثة أنها ضرورية للبحث. وبهذا تمكن التغلب على أية مشكلة قد تظهر على المبحوثين خلال تطبيق الاستمارة النهائية.

وقد احتوت استمارة المقابلة على (61) سؤالا قسمت على المحاور التالية:

  • القسم الأول من الاستمارة يحتوي على بيانات أولية عن الحدث الجانح وأسرته

  • القسم الثاني من الاستمارة يحتوي على الوسط الأسري الذي يعيش فيه الحدث الجانح

  • القسم الثالث من الاستمارة يحتوي على بيانات خاصة بالوسط المدرسي للأحداث الجانحين والذي احتوى على البيانات الخاصة بالفشل المدرسي وعلاقته بجنوح الأحداث.

استخدمت الدراسة أدوات التحليل الكمي والكيفي:

  • أدوات التحليل الكمي وتتمثل فيما يلي:

  1.  النسب المئوية

  2. المتوسطات الحسابية وهي القيمة التي لو أعطيت لكل مفردة من مفردات المجموعة لكان مجموع هذه القيم الجديدة هو نفس مجموع القيم الأصلية (سرحان – 1963 – ص 150)

كما يستخدم المتوسط الحسابي في أغلب الدراسات الاجتماعية لبساطة فكرته وإمكانية معالجته رياضيا، لذا يعتبر وسيلة قوية في البحث (هيكل – 1966 – ص 254).

  • أدوات التحليل الكيفي وتتمثل فيما يلي:

  1. استنطاق الجداول الإحصائية

  2. التعليق على النتائج

  3. تفسير النتائج والمقارنة بينها

إنّ أغلبية البحوث والدراسات العلمية التي تناولت موضوع علاقة المدرسة بجناح الأحداث مازالت تحاول رسم الجوانب السلبية لإخفاقها في تحقيق أهدافها وغاياتها التربوية، بل إن بعض هذه البحوث تلصق بالمدرسة تهمة إسهامها المباشر أو غير المباشر في نشوء الجناح أو تطوير بعض أعراضه ليصبح جناحا رسميا على درجة من الخطورة.

وللتحقق من ذلك أدرجت هذه الدراسة هذه الفرضية للتعرف على مدى إسهام الفشل المتواصل في التحصيل الدراسي للأحداث في جنوحهم واعتبرت الأداء المدرسي الضعيف وتكرار سنوات الدراسة والتغيب عن المدرسة من المؤشرات الهامة التي تؤدي إلى الجنوح.

إنه نظرا للنتائج المتحصل عليها من الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارة التربية الوطنية حول التسرب المدرسي الذي أصبح يتسبب في تواجد الآلاف من التلاميذ من كل المستويات الدراسية في الشارع دون دراسة أو تكوين مهني ارتأت هذه الدراسة التعرف على مدى إسهام الفشل الدراسي في جنوح العينة المبحوثة من خلال الجداول التالية:

جدول رقم (1): يبين المستوى التعليمي للمبحوثين

المستوى التعليمــي

العـــدد

النسبة المئوية

أمــــي

11

11

2.11

2.11

السنة الأولى

10

1.93

السنة الثانية

16

3.07

السنة الثالثة

28

5.39

41.55

السنة الرابعة

44

216

8.47

السنة الخامسة

75

14.43

السنة السادسة

43

8.26

السنة السابعة

102




267

19.62




51.34

السنة الثامنة

94

18.07

السنة التاسعة

71

13.65

الأولى ثانــوي

17


26


5

الثانيــة ثانـوي

9

المجموع

520

100

أشارت بيانات البحث إلى أن (41.55 %) من الأحداث الجانحين انقطعـوا عن الدراسة في المرحلة الابتدائية، وأن (2.11 %) منهم كانوا أميين، وأن (51.34 %) منهم انقطعوا عن الدراسة في مرحلة التعليم المتوسط، وأن (5 %) منهم انقطعوا عن الدراسة في المرحلة الثانوية.

نستنتج من خلال الجدول أن هناك تسرباً مدرسياً كبيرا خاصة في المراحل الأولى من التعليم التي من المفروض أن يبقى التلميذ فيها في المدرسة، ويتلقى مختلف المعارف مبتعداً عن كل المشاكل التي يمكن أن تحدث شرخاً في حياته المدرسية.

ولإعطاء صورة دقيقة على هذا الهدر الدراسي في مراحل التعليم المبكرة اهتمت هذه الدراسة بالتعرف على أسباب انقطاع المبحوثين عن الدراسة من خلال الجدول التالي:

جدول رقم (2): يبين أسباب انقطاع المبحوثين عن الدراسة

أسباب الانقطاع عن الدراسة

العــدد

 النسبة المئوية

الطرد بسبب الضعف الدراسي وتجاوز سن الدراسة

128

25.15

الطرد بسبب كثرة التغيبات

72

14.14

الطرد بسبب ممارسة العنف في المدرسة

56

11

كراهية الدراسة

191

37.53

الاضطرار إلى العمل

62

12.18

المجمــوع

509

100

أشارت بيانات البحث أن (25.15 %) من الأحداث الجانحين كان سبب انقطاعهم عن الدراسة الطرد الرسمي بسبب الضعف المدرسي وتجاوز سن الدراسة، وأن (37.53 %) منهم توقفوا عن الدراسة كراهية لها، وأن (14.14 %) كان سبب انقطاعهم عن الدراسة الطرد بسبب التغيبات، وأن (12.18 %) منهم كان سبب انقطاعهم عن الدراسة الاضطرار إلى العمل من أجل دعم دخل الأسرة، وأن (11 %) منهم كان سبب انقطاعهم عن الدراسة ممارسة العنف في المدرسة.

يمكننا أن نستنتج من خلال الجدول، وفي إطار علاقة المدرسة بجناح الأحداث في عينة البحث نتائج هامة من بينها أن المدرسة قد ساهمت في خلق بعض المواقف التي تعمل مع غيرها في تكوين أو تطوير السلوك المنحرف بالنسبة لكثير من الأحداث الجانحين، وذلك بالإلقاء بهم إلى الشارع عن طريق الطرد الرسمي في سن مبكرة أي في سنوات المراهقة الخطيرة كما هو ملحوظ في أوساط الجانحين في عينة البحث، حيث تكون آفاق الشغل بالنسبة إليهم محدودة جداً لصغر سنهم وعدم تكوينهم مهنيا، وبالتالي غالبا ما يصبحون أكثر عرضة للاختلاط بالمنحرفين حيث تبين لنا من خلال البحث أن هذه المخالطة غير المسؤولة كانت في كثير من الأحيان مدخلا لارتكاب الجناح أو السير في طريق السلوك المنحرف.

وقد استنتج البحث أيضا من خلال تصريحات المبحوثين أن الأسباب التي أدت إلى كراهية الدراسة ترجع في معظمها إلى عدم استيعاب الجانحين للمادة الدراسية، وبالتالي عدم تمكنهم من متابعة الدروس وإنجاز الواجبات المنزلية، ممّا يعرضهم في غالب الأحيان إلى معاقبة المعلم عن طريق الشتم والتهديد، كما أدلى المبحوثين أن لا أحد يساعدهم على فهم الدروس، ذلك لأن أغلبيتهم منحدرون من أسر فقيرة وأمية أو لها مستوى تعليمي منخفض لم تعهد التعليم في حياتها ولم تتعود على أسلوب التعامل مع الكتاب المدرسي رغم حرص بعض الأسر الشديد على توفير ظروف تعليمية أفضل لأبنائها.

كما أن الفقر والاحتياج الذي تعاني منه أغلبية أسر المبحوثين جعل الجانحين ينقطعون عن الدراسة بسبب عدم تمكن أسرهم من توفير مصاريف التمدرس، ممّا كان يعرضهم إلى غضب المعلم وتوبيخهم أمام كل التلاميذ، الأمر الذي كان يجرح شعورهم ويجعلهم يكرهون المدرسة.

واستنتجت الدراسة أيضا أن ميل بعض الأحداث إلى الحرية وحب اللعب والانطلاق خصوصا أولئك الذين ينحدرون من أسر فقيرة وأميَّة، والتي نجدها غالبا ما لا تهتم بفكرة تعلم أبنائها والحرص على مستقبلهم الدراسي، الأمر الذي يشجع بعض الجانحين على كره المدرسة وقيودها، وتفضيل البقاء في الشارع أحرارا من كل ضغط تفرضه المدرسة وأنظمتها وقوانينها.

كما استنتجنا من خلال تصريحات المبحوثين أن المدرسة في غالب الأحيان تكون عاجزة على التعامل مع مشكلات الطفولة الأولى، لأن التعليم في غالب المؤسسات التربوية في الجزائر يهتم فقط بمنهجية التدريس لإتمام البرنامج الكثيف، وهذا ما أدى إلى لامبالاة واضحة بمشكلات الأحداث السلوكية بحيث غالبا ما تعجز المدرسة في مساعدتهم على التغلب على بعض المشكلات الأسرية أو الصعوبات المادية التي يمرون بها، كما لا تولي المدرسة أي اهتمام لمساعدة الأحداث في مواجهة بعض الظروف القاسية التي تعترضهم وتعرقل نجاحهم المدرسي، ومن هنا يصبح الحدث لا تربطه بالمدرسة أية علاقة تربوية إيجابية، وبالتالي يصبح تركها والانقطاع عنها أمر لا يندم عليه.

وانطلاقا من تصريحات المبحوثين يمكننا أن نستنتج أن الجانحين كانوا يعطوا للجانب العلائقي المتمثل في الجانب العاطفي في إطار العلاقات التربوية أهمية كبرى.

واستنتجت الدراسة أيضا أن الأحداث الجانحين الذين انقطعوا عن الدراسة ودخلوا ميدان العمل اضطروا لذلك من أجل تدعيم دخل الأسرة بسبب العوز المادي.

وتبيّن أيضا أن هناك نسبة من المبحوثين طردوا من المدرسة بسبب ممارستهم للعنف داخل المؤسسة التعليمية هذا العنف الذي انتشر في السنوات الأخيرة في المؤسسات التربوية بشكل كبير، وأخذ أبعاداً خطيرة أصبحت تهدد أمن النظام التعليمي واستقراره.

كما توصلنا من خلال الدراسة إلى نتيجة أخرى، وهي أن هروب الأحداث المتواصل والمتكرر من المدرسة كان سببه الفشل الدراسي والإحباط الذي يعاني منه الحدث بسبب تخلفه الدراسي المتواصل، مما يجعله يقتنع بعدم فائدة الدراسة التي لا يجد لها معنى مقبولا لديه مادام لا يفهم شيئا مما يدرس له، وينتهي بالانقطاع عن الدراسة بعد أن يكرر السنوات الدراسية مرة أو أكثر، وهو الأمر الذي سنحاول التعرف عليه من خلال الجدول التالي:

جدول رقم (3): يبين مدى تكرار المبحوثين للسنوات الدراسية

هل كررت بعض السنوات الدراسية

العــدد

 النسبة المئوية

نعـــم

402

78.98

لا

107

21.02

المجمــوع

509

100

يتبين من خلال الجدول أن (78.98 %) من المبحوثين كرروا السنة الدراسية وأن (21.02 %) منهم لم يكرروا السنة الدراسية.

ويمكننا أن نستنتج من خلال هذه البيانات أن نسبة كبيرة من المبحوثين أعادوا السنة وهذا ما يبين ضعف نتائجهم الدراسية وعدم توافقهم مع الوسط المدرسي، مما يساهم في كراهيتهم للمدرسة ومحاولة الانقطاع عنها، وفي هذا السياق يمكننا أن نوضح أن الأمر الذي كان يزيد الوضع خطورة هو تكرار الأحداث للسنوات الدراسية مرة ومرتين فأكثر وهو الشيء الذي نحاول التعرف عليه من خلال الجدول التال:

جدول رقم (4): يبين مدى عدد مـرات تكرار المبحوثين للسنة الدراسية

تكــرار السنوات

العــدد

النسبة المئوية

السنة الأولى أساسي

13

3.23

السنة الثانية أساسي

17

4.22

السنة الثالثة أساسي

20

4.97

السنة الرابعة أساسي

12

2.99

السنة الخامسة أساسي

40

9.95

السنة السادسة أساسي

31

7.72

السنة السابعة أساسي

24

5.97

السنة الثامنة أساسي

35

8.71

السنة التاسعة أساسي

56

13.94

السنة الأولى ثانوي

9

2.23

السنة الثانية ثانوي

3

0.75

عــدة سنـــوات

142

35.32

المجمــوع

402

100

أشارت بيانات البحث أن (35.32 %) من المبحوثين كرروا السنوات الدراسية عدة مرّات، وأن (13.94 %) منهم كرروا السنة التاسعة، وأن (9.95 %) منهم كرروا السنة الخامسة.

ويمكننا أن نستنتج من خلال هذا الجدول أن نسبة معتبرة من المبحوثين كرروا السنوات الدراسية عدة مرّات، وعلى مستويات دراسية مختلفة، ومن هنا نستنتج أن الأداء الدراسي الضعيف للمبحوثين غالباً ما كان يشعرهم بالفشل المتواصل والإحباط الشديد، الأمر الذي كان يفقدهم الباعث المشجع للاستمرار في تعليمهم، وقد يتبلور هذا الفشل في شكل فقدانهم الثقة بأنفسهم، وانعدام روح المبادرة لديهم وبالتالي وصم أنفسهم بالفاشلين الذين لا يمكن أن ينجحوا في دراستهم.

وفي هذا المجال استخلصت الكثير من الدراسات الأوروبية المتنوعة التي بحثت في موضوع أثر تكرار السنوات الدراسية على تقدير الذات لدى التلاميذ أن تكرار السنة لا يؤدي دائما إلى الهدف المقصود وهو تحسين المستوى الدراسي للتلميذ لأن البحوث الميدانية استنتجت عكس ما يظنه الكثير من الناس، بحيث توصلت إلى أن تكرار السنة لا يساعد التلاميذ على تحسين مستواهم الدراسي بل بالعكس غالبا ما يكون له أثار سلبية على الإدماج الاجتماعي للطفل وعلى تقدير الذات.

وقد لاحظ الباحثون أن معيدي السنة غالبا ما تكون لهم نظرة سلبية تجاه المدرسة لأن إعادة السنة في التعليم الابتدائي كثيرا ما يؤدي إلى إعادات أخرى في السنوات القادمة، وهذا ما يؤدي بدوره إلى اتجاه التلاميذ نحو التخلي الكلي عن الدراسة (16 :1998 UNESCO).

ولما كان لإعادة سنوات الدراسة دليل على فشل المبحوثين في تحصيلهم الدراسي، وباعث قوي على انقطاعهم عن الدراسة الذي نتج عنه انحرافهم وجنوحهم ارتأت هذه الدراسة التعرف على أسباب فشل المبحوثين في الدراسة من خلال الجدول التالي:

جدول رقم (5): يبين أسباب فشل المبحوثين في الدراسة

أسباب الفشل المدرسي

العــدد

النسبة المئوية

عدم فهم الدروس

91

17.88

طريقة الأستاذ في إيصال المعلومات

29

5.70

كثرة المواد الدراسية

102

20.03

صعوبة الدراسة

213

41.85

تأثير رفقاء السوء

74

14.54

المجمــوع

509

100

أشارت بيانات البحث إلى أنّ (41.85 %) من المبحوثين كان سبب فشلهم في الدراسة هو صعوبة المواد الدراسية، وأن (20.03 %) منهم كان سبب فشلهم الدراسي هو كثرة المواد الدراسية، وأن (17.88 %) منهم كان سبب فشلهم الدراسي يرجع إلى عدم فهم الدروس، وأن (14.54 %) منهم يرجع سبب فشلهم الدراسي إلى رفقاء السوء، وأن (5.70 %) منهم كان سبب فشلهم الدراسي طريقة الأستاذ في إيصال المعلومات.

ويمكننا أن نستنتج من خلال بيانات الجدول أنّ صعوبة المواد الدراسية كانت من أبرز الأسباب التي أدت إلى فشل المبحوثين في دراستهم، وهذا ما جعلهم في أغلب الحالات يفقدون كل اهتمام بالتحصيل المدرسي، وأن نسبة كبيرة منهم كان وجودهم في الفصل وجوداً آليا مجردا من كل استيعاب أو انتباه، الأمر الذي ينعكس على انخفاض الدرجات التي يحصلون عليها في الامتحانات مما يزيد من رغبتهم في ترك المدرسة.

ومن جهة أخرى أدلى المبحوثين أن كثرة المواد الدراسية كانت سببا في فشلهم الدراسي، وهذا معناه أن الأحداث كانوا يدرسون أكثر من (37ساعة) في الأسبوع دون راحة لحشو عقولهم بالكم الهائل من المعلومات دون إثارة فاعلية أو نشاط لدى التلاميذ، مما يجعلهم يكرهون الدراسة خاصة إذا كانت مناهجها راكدة وصعبة في محتواها، وطرقها، وأساليب التقويم فيها، ونقص وسائلها التعليمية، وهذا ما بينته الكثير من الدراسات التي توقفت على أن صعوبة محتوى المناهج المدرسية من أبرز العيوب بالنسبة لتأثيرها المحبط على التلاميذ في مراحل تعليمهم المبكرة.(سرحان - 1998- ص 42).

وأدلى المبحوثين أيضا أن عدم فهمهم للدروس نتيجة لقلة إمكانياتهم الفكرية وضعفهم الدراسي كثيرا ما يجعلهم قلقين مضطربين لعجزهم عن استيعاب المادة الدراسية، وهذا التخلف الدراسي كثيراً ما يقوي لديهم الميل إلى عدم مواصلة الدراسة.

وفي هذا المجال يمكننا أن نذكر أن تدخل المدرسة الجزائرية لمساعدة التلاميذ الذين يعانون تأخراً دراسياً كان ضعيفاً وسلبياً وتمثل فقط في دروس الدعم والاستدراك بالنسبة للتلاميذ الذين يوجد لديهم عجز لاستيعاب المواد الدراسية لأسباب مختلفة من أجل إتاحة الفرصة للجميع، وبحظوظ متساوية حتى تصبح مستويات القسم الواحد متقاربة.

لكن الملاحظ ميدانيا هو ما أدلى به مفتشو التعليم الابتدائي والمستشارون التربويون بعد تقييم شامل لمردودية الدروس الاستدراكية أنها لم تستطع تحقيق الأهداف التي سطرت من أجلها، ولم تأت بالنتائج المرجوة (pp 18-19 – 2002 – Kadi) ذلك لأنها لم تلق اهتماما كافيا من حيث المتابعة والتكييف والتقييم الدوري من طرف الأساتذة والمفتشين ومديري التعليم الأساسي من أجل تفعيلها وجعلها مفيدة للفئة المتأخرة دراسيا.

ومن جهة أخرى يمكننا ذكر أن المبحوثين أبدوا رغبتهم في الالتحاق بالدروس الخصوصية التي أصبحت ظاهرة عامة في المجتمع الجزائري لأنها غالبا ما تكون مرتبطة بنجاح التلميذ أو فشله في تحصيله الدراسي، لكن نظرا لكون أغلبية الجانحين تنتمي إلى أسر فقيرة لم تتمكن من الإنفاق على الدروس الخصوصية لأبنائها، وهذا ما كان يزيد مسألة كره المبحوثين للمدرسة تعقيداً خصوصا عندما يقارنون بين وضعيتهم في عدم تمكنهم من دفع مستحقات الدروس الخصوصية وغيرهم من التلاميذ الميسورين مادياً الذين يلتحقون بالدروس الخصوصية في كل المواد تقريبا، الأمر الذي كان يساهم في نجاحهم الدراسي، وهذا الأمر غالبا ما كان يزيد في الإحباط لدى المبحوثين ويقوي عزيمتهم في التخلي عن الدراسة لأنه لا يوجد حل لمشكلة ضعف نتائجهم الدراسية.

أما بالنسبة إلى المبحوثين الذين صرحوا بأن رفاق السوء هم الذين كانوا سبباً في فشلهم الدراسي فتمثل ذلك في محاولة إقناعهم بعدم فائدة الدراسة وإغرائهم على ارتياد أماكن اللهو وتحفيزهم على مخالفة قوانين المدرسة، وذلك بإثارة الفوضى في حجرة الدرس وممارسة بعض الأفعال العنيفة والهروب من المدرسة والغياب المتكرر عن الدروس.

وهذه النتيجة التي توصلنا إليها جاءت متوافقة مع الكثير من الدراسات الأوروبية التي بينت بوضح أن فشل الأحداث في دراستهم يترك آثاراً بسيكولوجية واجتماعية خاصة بالنسبة إلى عدم تقدير الذات لدى الأحداث، ذلك لأن الحدث الفاشل دراسياً يحاول دائماً إيجاد تعويض للتغلب على شعوره بالنقص فيجد عند رفقاء السوء الذين يقدمون له وسطا أفضل هذا التعويض الذي يخفف عنه خيبة الأمل في الدراسة، ويسوقه نحو الجنوح (47: 2001 Walgrave)

كما أن التلميذ حسب ما استنتجته الكثير من الدراسات غالبا ما يحاول نتيجة تأخره الدراسي تعويض النقص بمخالفة النظام، وذلك عن طريق التغيب عن الدراسة، ولما كان لهذا التغيب نتائج سلبية قد تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في جنوح الأحداث اهتمت هذه الدراسة بالتعرف على مدى مساهمة هذا المؤشر في جناح العينة المبحوثة من خلال الجدول التالــي:

جدول رقم (6): يبين مدى تغيب المبحوثين عن الدراســة

هل كنت تتغيب عن الدراسة

العــدد

النسبة المئوية

نعــــــم

397

78

لا

112

22

المجمــوع

509

100

أشارت بيانات البحث إلى أن (78 %) من المبحوثين كانوا يتغيبون عن الدراسة، و(22 %) منهم كانوا لا يتغيبون عن الدراسة.

واستنتجت هذه الدراسة من خلال المعطيات المدرجة في الجدول أن غالبية الجانحين الذين كانوا فاشلين دراسياً كانوا لا ينتظمون في الحضور إلى ساعات الدروس.

ولمزيد من إلقاء الضوء على خطورة هذا التغيب عن الدراسة بالنسبة لكثرته أو قلته ومدى تأثير ذلك على التحصيل الدراسي للجانحين ارتأت هذه الدراسة التعرف على مدى كثرة التغيب الدراسي لدى أفراد العينة المبحوثة من خلال الجدول التالي:

جدول رقم (7): يبين عدد مرات تغيب المبحوثين عن الدراسة

عدد مرات تغيب الجانحين

العــدد

النسبة المئوية

كثير التغيبــــات

226

56.93

بعض الساعات في الأسبوع

85

21.41

يومــا في الأسبوع

17

4.28

أكثر من يوم في الأسبوع

69

17.39

المجمــوع

397

100

أوضحت بيانات البحث أن (56.93 %) من المبحوثين كانوا يتغيبون كثيراً عن الدراسة، وأن (21.41 %) منهم كانوا يتغيبون عن الدراسة بعض الساعات في الأسبوع، وأن (4.28 %) منهم كانوا يتغيبون يوماً في الأسبوع، وأن (17.39 %) منهم كانوا يتغيبون أكثر من يوم في الأسبوع.

يمكننا أن نستنتج من خلال الجدول أن ما يزيد عن نصف المبحوثين كانوا يكثرون من التغيب عن الدراسة. وفي مثل هذا الانقطاع عن الدراسة أو الغياب المتكرر ما يبرر اهتمامنا بنتائجه، فهو يترك الحدث حراً طليقاً لالتقاط كافة الأنماط السلوكية الجانحة خارج المدرسة وبعيدا عن رقابة الأسرة والمدرسة معا. وفي هذا السياق يذكر المبحوثين أنهم كانوا يستعملون حيلا في تبرير غياباتهم لإدارة المدرسة بإحضار وصفة طبية مزيفة للمدرسة. إننا نعتقد أن السهولة الكبيرة التي يجدها التلاميذ في الحصول على وثائق التبرير من المستوصفات ناجمة عن تهميش دور المؤسسة التربوية التي يكون من السهل عليها التحكم في هذه الوضعية بإنشاء مصلحة طبية تابعة للمؤسسة المدرسية، ويكون من حق الطبيب التابع لهذه المؤسسة بمفرده إعطاء التبرير الطبي بالغياب للتلميذ، وتحديد السبب الحقيقي للغياب.

ذكر المبحوثين أيضا أنهم كانوا يبررون غياباتهم كتابيا بإمضاء مزيف على أساس أنه صادر عن أحد أوليائهم دون أن تحس الإدارة بذلك، وكأن ليس هناك متابعة ولا تنظيم بيداغوجي يكشف عن كل هذه التلاعبات التي يقوم بها بعض التلاميذ.

ومن جهة أخرى توصلت الدراسة إلى أن أولياء العينة المبحوثة غالبا ما نجدهم لا يدخرون جهدا في متابعة مسار أبنائهم الدراسي، وظروف تمدرسهم عن طريق الزيارات المنتظمة للمؤسسة التعليمية والاتصال المكثف بالمعلمين، فهم المسؤول المباشر عن تبرير غيابات أبنائهم والتصريح بوضعيتهم.

ومن هنا نستنتج أنه في حالة المبحوثين يكون إحضار الأولياء عند تبرير الغياب في آخر السلم، بمعنى أن ولي أمر التلميذ هو أخر من يعلم، وقد لا يعلم إطلاقاً بما يتصرف به ابنه من سلوكات داخل المؤسسة التربوية وخارجها، وهنا يمكننا التساؤل:

ما هو دور المؤسسة التربوية في التنسيق مع الأسرة ومع أولياء أمر التلاميذ المتغيبين؟ هل لها دور بيداغوجي تربوي أم أنها لا تسجل حضورها إلا في المشاريع الخيرية الاجتماعية عند المناسبات الاحتفالية فقط.

جدول رقم (8): يبين سلوكات المبحوثين عند التغيب عن الدراسة

ممارسة عمل هامشي للحصول على المال

31

7.81

الانتظار أمام باب المدرسة حتى ينقضي وقت الدراسة

23

5.79

التجوال مع التلاميذ المتغيبين عن الدراسة

261

65.74

الالتحاق برفقاء السوء

82

20.66

المجمـــــوع

397

100

أوضحت بيانات البحث أن (65.74 %) من الجانحين المتغيبين عن المدرسة كانوا يذهبون إلى التجوال مع غيرهم من التلاميذ المتغيبين، وأن (20.66 %) منهم كانوا يتغيبون عن المدرسة للالتحاق برفاق السوء، وأن (7.81 %) منهم كان غيابهم عن المدرسة بسبب ممارسة عمل هامشي للحصول على المال، وأن (5.79 %) تغيبوا عن المدرسة لأنه ليست لهم أية رغبة في الدراسة لذلك كانوا يمضون كل الفترة المخصصة للدراسة أمام باب المدرسة حتى ينقضي وقت الدراسة.

وما يمكننا أن نستخلصه من هذا الجدول حسب تصريحات المبحوثين أن الجانحين الذين كانوا يتغيبون عن المدرسة للقيام بأعمال هامشية كانوا يعملون كحمالين أو مساعدين لباعة متجولين أو مساعدين لباعة بالجٌملة لرفع السلع إلى الشاحنات أو كعمال نظافة في المحلات التجارية إلى غير ذلك من الأعمال الهامشية التي كانوا يتقاضون من ورائها أجراً لأن الأسرة لا تشبع رغباتهم واحتياجاتهم المتعلقة بالإنفاق على متطلباتهم الشخصية لذلك فهم يتغيبون عن المدرسة للحصول على المال من أقصر طريق.

وقد استنتجنا من هذه الدراسة أن رفقاء السوء الذين كان المبحوثون المتغيبون عن الدراسة يلتحقون بهم كانوا من سكان الحي الذين انقطعوا عن الدراسة وأصبحوا بطالين يمضون كل أوقاتهم جالسين في زوايا الشوارع أو خلف العمارات يدخنون وأحياناً يتعاطون المخدرات ويسمعون الموسيقى، كل ذلك كان يحدث في جو من الضحك والاستهتار والكلام البذيء.

ومن جهة أخرى تبين أن الأغلبية الساحقة التي تمثل (65.74 %) من المبحوثين الذين تغيبوا عن الدراسة من أجل التجوال مع غيرهم من التلاميذ والتلميذات المتغيبين عن الدراسة أيضا كانوا يترددون حسب تصريحاتهم على دور السينما ومقاهي الإنترنيت والحدائق العامة والأسواق وشواطئ البحر إلى غير ذلك من الأماكن التي توجد بها مغريات ممتعة كان المبحوثون يفضلون التردد عليها للترويح عن النفس عوض الانضباط والصرامة اللذين تفرضهما المؤسسة التربوية.

ومن هنا نستنتج أن الجانحين الفاشلين دراسياً الذين يجدون صعوبة في فهم الدروس واستيعاب المادة الدراسية، والذين لا يجدون من أوليائهم أي اهتمام في مراقبة سلوكهم وتصرفاتهم أثناء تواجدهم في المؤسسة التربوية أو بعد خروجهم منها هم الذين ينساقون مع الصحبة السيئة إلى الهروب من المدرسة والتردد على أماكن اللهو والعبث والسقوط بالتالي في شباك المنحرفين جنسيا أو التورط في ارتكاب جرائم السرقة للحصول على ما يلزمهم من مال لإنفاقه على عبثهم ولهوهم، ويفعلون ذلك أسوة بمن يخالطونهم.

وجاءت هذه النتيجة التي توصلنا إليها متوافقة مع الكثير من الدراسات التي أكدت أن الكثير من الأحداث الجانحين والمجرمين العائدين بدأت انحرافاتهم بالهروب من المدرسة (أكرم نشأت – ص 54).

الخلاصة 

من بين كل ما توصلنا إليه من نتائج حول علاقة الفشل في التحصيل الدراسي بجنوح الأحداث أرجعت هذه الدراسة فشل المبحوثين إلى تحصيلهم الدراسي المنخفض وفشلهم في تحقيق النجاح وتقدير الذات، وقد نتج عن هذا الفشل عدم قدرتهم على الاستيعاب مما يؤدي إلى تكرار السنوات الدراسية، الأمر الذي يزيد في اقتناعهم بضرورة ترك المدرسة.فهناك دراسات عديدة أجريت في بلدان مختلفة أظهرت نتائجها بأن هناك علاقة سببية موجبَة بين الفشل الدراسي وجنوح الأحداث.وقد بينت دراسة نشرتها منظمة الأمم المتحدة للأطفال (اليونيسيف : 1994) أن معظم تاركي مدرسة التعليم الأساسي والمتسربين منها قد رسبوا أكثر من سنة خلال المرحلة الدراسية (سرحان- 1994– ص 55). وبينت دراسة أخرى أنه كلما كانت النتائج الدراسية ضعيفة كلما وجد احتمال لحدوث الجنوح : 45) Walgrave) وأفاد تحقيق معهد (Vaucresson) في فرنسا بأن ما بين (34 %) و(46 %) من الأحداث الجانحين الفرنسيين أو البولونيين الذين حوكموا كرروا مرتين السنوات الدراسية مقابل (13 %) و(14 %) من غير الجانحين (7 1 – ص 123 – 129 ). ولوحظ أيضا في أبحاث أخرى في مصر أن (62 %) من الشباب الجانح سبق لهم الرسوب أكثر من مرة في المدرسة (مانع ـ 1969 - ص 38 ).

وفي دراسة حول الفشل الدراسي تبين أن البرامج مسؤولة عن الفشل في بعض الأحيان حينما تكون عدة أجزاء متقدمة كثيراً عن القابلية العقلية للاستقبال لدى الطفل (سيد عويبس 1982: 123 -129 )

الخاتمة

في ضوء أهداف البحث وتساؤلاته نستنتج ما يلي:

  • وجود علاقة بين الفشل المتواصل في التحصيل الدراسي للأحداث وجنوحهم حيث أرجعت هذه الدراسة فشل المبحوثين المتواصل في تحصيلهم الدراسي وتركهم للمدرسة إلى تحصيلهم الدراسي المنخفض وفشلهم في تحقيق النجاح، وقد نتج عن هذا الفشل عدم قدرة المبحوث على استيعاب المواد الدراسية مما ينعكس على انخفاض الدراجات التي يحصل عليها في الاختبارات التحصيلية، الأمر الذي يؤدي به إلى تكرار السنوات الدراسية واقتناعه بضرورة ترك المدرسة.

  • كما تبين من دراسة معهد (Vaucressan) بفرنسا حول علاقة المدرسة بجنوح الأحداث أن المسار المدرسي للأحداث الجانحين لم يتأثر بالفشل الدراسي فقط، بل تأثر أيضا بسلوكات أساتذتهم نحوهم حيث صرحوا بأنهم وجدوا صعوبات في تكيفهم مع الوسط المدرسي لأنهم كانوا يشعرون بأنهم يعاملون بقسوة مقارنة مع بقية تلاميذ القسم، وكانوا محل ظلم من طرف الأساتذة ( p 121–Veillard).

  • وأشارت أيضا دراسات كل من « كرسبوGrespo » و« كورنوبي Cournoyer » حول سوء التكيف المدرسي إلى أن اتجاهات المدرسين مثل الاتجاه التسلطي والاتجاه التهاوني لديهما قابلية التأثير على الأداء المدرسي للتلاميذ ( 2006– p 83 – Crespo.M).

التوصيات

    1. تطوير المناهج الدراسية من حيث مستوى صعوبتها وما قد تتضمنه من حشو في ظل الدعوة إلى التركيز على اكتساب التعلم للتقليل من أثارها السلبية على الرسوب والتسرب المدرسيين.

    2. إضفاء اهتمام خاص بالجوانب التطبيقية والعملية، والاتجاه نحو ربط التعليم بالحياة من خلال مناهج دراسية ملائمة.

    3. إلغاء تكدس مناهج التعليم بالمعلومات والذي يشغل كاهل التلاميذ ويصيب الكثير منهم باليأس والإحباط، والتحقق من تناسب محتوى المناهج من حيث الكم والنوعية مع القدرات الذهنية والمعرفية للتلاميذ.

    4. عناية المعلمين وإدارة المدرسة بالتلاميذ الضعاف في التحصيل أو الراسبين وإعطائهم دروس تقوية مجانية حتى لا يتكرر رسوبهم ويؤدي بهم الأمر إلى ترك المدرسة.

    5. تزويد المدارس بالأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين للكشف عن حالات بوادر الجنوح والانحراف ومحاولة علاجها قبل استفحالها.

    6. عند تكرار غياب التلميذ ينبغي أن تنشط إدارة المدرسة بالتعاون مع الأخصائي الاجتماعي لبحث حالته والتعرف على أساب انقطاعه ومناقشتها مع ولي أمره ومحاولة علاجها بأسرع وقت ممكن.

    7. توعية الأسر بالالتزام بمتابعة تمدرس أبنائهم وحضور مجالس الآباء والمعلمين للتعاون على حل المشاكل التي يثيرها بعض أبنائهم أثناء تمدرسهم.

    8. إنشاء مكتب متابعة الأحداث الجانحين بعد خروجهم من مراكز إعادة التربية، وزيارتهم في بيوتهم ومساعدتهم على حل مشاكلهم لضمان عدم عودتهم إلى الإجرام.

المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية. (1991). عمالة الأطفال في مصر. القاهرة: اليونيسيف.

عبادة سرحان، أحمد. (1963). مقدمة الإحصاء الاجتماعي (الدار القومية، الجزء الأول).

عبد العزيز هيكل. (1966). مبادئ الأساليب الإحصائية. بيروت: دار النهضة العربية.

عبد الله بيومي. (1993). معالم سياسة مقترحة للاحتفاظ بتلاميذ مرحلة التعليم الأساسي في مدارسهم – دراسة ميدانية. القاهرة: المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية.

المنظمة العالمية للأمم المتحدة (اليونيسيف). (1994). دراسة «الالتحاق بالتعليم الابتدائي واكتساب المهارات الأساسية في القراءة والرياضيات – مسح ميداني في ثلاث من محافظات مصر» التقرير النهائي للدراسة. القاهرة: اليونيسيف.

شبشوب، أحمد. (1991). علوم التربية. تونس: الدار التونسية للنشر.

مانع، علي. (2002). عوامل جنوح الأحداث: نتائج دراسة ميدانية. الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية.

Crespo, M., Cour, Noyer, M. (1978). École polyvalente et inadaptation, étude sur les effets de l’organisation scolaire. Montréal : CECM.

Grawitz, M. (1974). Méthodes des sciences sociales. Paris : Édition DALLOZ.

Kadi, M. (2002). Vaincre l’échec scolaire. Alger : Éditions ANEP.

Leblanc, M. (1985). L’école mécanisme amplificateur de la délinquance des adolescents. In Éducation en milieu urbain. Presses de l’Université de Montréal, 367-396.

UNESCO. (1998). Occasions perdues; quand l’école faillit à sa mission : Abandon et redoublement dans l’enseignement primaire. In Éducation pour tous, situation et tendances.

Veillard, G. (1963). Les jeunes délinquants dans le monde. Paris : Éditions Neuchâtel Delachaux et Nestlé.

Walgrave, L. (2001). Expériences scolaires défavorables et délinquance. In Problèmes politiques et sociaux (N : 860, juillet 2001). Paris : La documentation française.

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article