فتغنشتاين وفلسفة اللغة بين المقاربة التأويلية واللسانية على ضوء قراءات جاك بوفريس

Wittgenstein et la philosophie du langage : Entre l'approche herméneutique et linguistique à la lumière des lectures de Jacques Bouveresse

Wittgenstein and the Philosophy of Language: Between the Hermeneutic and Linguistic Approaches in Light of Jacques Bouveresse's Readings

Djili Malika

Citer cet article

Référence électronique

Djili Malika, « فتغنشتاين وفلسفة اللغة بين المقاربة التأويلية واللسانية على ضوء قراءات جاك بوفريس », Aleph [En ligne], mis en ligne le 26 avril 2024, consulté le 06 mai 2024. URL : https://aleph.edinum.org/11656

التأويلية واللّسانية هي محاولة مقاربة اللغة بين الهيرمينوطيقا ومنطق اللسانيات المعاصرة أي بمعنى التوصّل الى الطريقة التي ندرك بها العلاقات بين ما هو لساني خاضع لنظام علمي خاص (أي التأويلية التّقليدية)، والتّأويلية التي تريد أن تكون فلسفية وتهدف هذه المقاربة أيضا الى تزويد الفلسفة بالموضوع والمنهج الذي يميزها بشكل جذري نحو تأسيس علمي خال من كل ذاتية.

انّ اللّسانيات باعتبارها كفاءة التّبادل اللّساني العادي تعدّ التّصور الثّابت الذي تحلم الهيرمينوطيقا والتأويلية المعاصرة باستكماله بنهج يتجه نحو الجانب الإبداعي الذي يتعدّى حدود الكفاءة اللّسانية إلى الفهم والإظهار أو التّجاوز أيضا.

L'herméneutique et la linguistique tentent d'appréhender le langage à l'intersection entre l'herméneutique et la logique de la linguistique contemporaine. Il s'agit de trouver une manière de percevoir les relations entre ce qui relève de la linguistique, soumise à un système scientifique spécialisé (c'est-à-dire l'herméneutique traditionnelle), et l'herméneutique, qui aspire à une dimension philosophique. Alors que la linguistique vise l'efficacité des échanges langagiers ordinaires, l'herméneutique cherche à compléter cette vision en adoptant une approche créative, allant au-delà des limites de la compétence linguistique pour comprendre, montrer ou transcender.

Wittgenstein, hermeneutics, and linguistics attempt to navigate language at the intersection of hermeneutics and contemporary linguistic logic. Their goal is to discern the relationship between linguistics, governed by a specialized scientific system (traditional hermeneutics), and hermeneutics, which aims for a philosophical dimension. While linguistics aims for the efficiency of everyday language exchange, hermeneutics seeks to complement this perception with a creative approach that extends beyond linguistic competence to understand, illustrate, or transcend.

مقدمة

ترتكز فلسفة اللغة على دراسة التّفكير البشري بناء على الرموز اللغوية التي يستطيع العقل تشكيلها، والتي طالما كانت محط اهتمام الفلاسفة؛ غير انّها لم تصبح موضوعا مركزيا في الفلسفة إلاّ في القرن العشرين، حيث تمّ الاتّفاق عل ان الوسيلة الفضلى لحل المشاكل في مختلف فروع الفلسفة إنّما يتم عبر فحص اللغة التي صيغت بها هذه المشاكل. هذا الاهتمام الواسع الذي ابداه الفلاسفة المعاصرون باللّغة، وازدياد الاعتماد على تحليلها أُصطلح على تسميته بالتّحوّل أو المنعطف اللغوي. ورغم الاختلاف حول ميدان فلسفة اللغة حسب التّيارات المتجاذبة، إلا انّها في المجمل تلك النّقلة النوعية التي عرفتها مسائل اللغة نتيجة للتّطورات الحاصلة في ميدان الالسنية والفلسفات التأويلية، وما تعكسه الفلسفة التحليلية وعلم اللغة الحديث. وهذا ما جعل من فلسفة اللغة فرع فلسفي ومبحث مستقل له موضوع خاص به هو اللغة، ومناهج قائمة بذاتها أي نظريات أساسية مثل النظرية المنطقية والالسنية والتأويلية؛ بالإضافة الى التوجه الذي يحصر فلسفة اللغة في عمليات الشرح والفهم، والتأويل والمعنى وهو الاتجاه الفينومينولوجي وتمظهراته الهيرمينوطيقية.

1. ضبط المفاهيم

1.1. فلسفة اللغة

يمكن تعريف فلسفة اللغة بانها اخضاع اللغة الى دراسة داخلية واعتبارها هي نفسها موضوع بحث، نظرا للتحولات التي عرفها الفكر الفلسفي المعاصر بتياراته ويمكن اجمال تعريف فلسفة اللغة الى تعريفين أساسيين :

  1. التعريف التقليدي : يرى ان فلسفة اللغة هي كلّ فلسفة اهتمت بالبحث في اصل اللغة، والعلاقة بين اللغة والفكر والواقع، ولغة الانسان والحيوان....

  2. التعريف الخاص : وهو ما حصل على مستوى دراسة اللغة كعلم وظهور المنطق الرمزي، والتحليلات المنطقية والممارسات التأويلية الناجمة عن التفسير القديم، وهذا التعريف يرتكز على ثلاث توجهات مركزية :

  • التعريف الذي يستفيد من أبحاث فقه اللغة (الفيلولوجيا) والتفسير الديني، والفلسفة الظواهرية، وفلسفة التأويل كما نجده في الفلسفة الألمانية (طفولة فلسفة اللغة).

  • التعريف الذي يستفيد من الأبحاث المنطقية الجديدة والذي تمثّله المدرسة الانجلوساكسونية (وتشكل شباب فلسفة اللغة).

  • التعريف الذي يستفيد من الأبحاث الالسنية مثل مال نجده في الأبحاث البنيوية وما بعد البنيوية والدراسات التركيبية التحويلية (تشومسكي).

وعليه ففلسفة اللغة كما قال « ريكور » تدل على الاهتمام الخاص الذي اولته الفلسفة المعاصرة لموضوع اللغة مقارنة بالاهتمام العام باللغة في تاريخ الفلسفة« 1

وفلسفة اللغة عند »فتغنشتاين« هو نظام التحليل الذي يتم من خلاله فحص بنية اللغة ومعناها من أجل الكشف عن العلاقات الأساسية التي تعطيها معناها، ومعرفة الطريقة التي تستخدم بها الالفاظ، وبالتالي فــ » اللغة هي الاهتمام بالسّمة والدلالة الاجتماعية للغة« 2

2.1. الهيرمينوطيقا

إن القضية الأساسية التي تتناولها االهيرمينوطيقا بالدرس هي معضلة تفسير النصوص بشكل عام سواء، سواء كان نص تاريخي أم نص ديني، والسؤال المركزي يدور حول طبيعة النّص من جهة وعلاقته بموضوعه من جهة أخرى؛ والاهم من ذلك علاقة المفسر بالنص، وهو العملية المحورية في الممارسة التأويلية.

امّا الهيرمينوطيقا الفلسفية فهي حسب »غادامير« شمولية ظاهرة الفهم »إنّ التفسير(التأويل) هو الذي ينتج بين الانسان والعالم وساطة غير مكتملة دائما، والى هذا الحذ فان المسند الحقيقي الوحيد هو انّنا نفهم شيئا، ما مثل شيء ما« 3 أي ان تكون في العالم يعني ان تفهم معنى ذلك الإشارة الى عالمية ظاهرة التفسير والفهم، فـ » تشرع التأويلات في تعميم بعض الحالات الخاصة، وتفرض على الظواهر نمطا موحدا من الوصف الذي يتجاهل تنوعها...وهنا يمكن التساؤل عن كيفية استعادة العاب اللغة من خلال التأويل الفلسفي، وما ينطوي عليه فهم اللغة« 4

2. اتجاهات فلسفة اللغة

1.2. الاتجاه التحليلي

التحليل يعني فك الشيء عن بعضه لمعرفة الأجزاء الأولية التي تساهم في تركيبه، والفلسفة التّحليلية أو فلسفة التّحليل،Analytic philosophy تقوم بتوضيح فهمنا للاشياء عن طريق تحليل أو تفكيك معنى الجملة أو المقولة أو المفهوم.

كانت الفلسفة التحليلية محط اهتمام الأكاديميين الناطقين باللغة الإنجليزية منذ القرن العشرين فانقسمت الفلسفة الغربية الى قسمين :الفلسفة القارية Continental Philosophy، التي تمارس في معظم أجزاء القارة الأوروبية تنحو المنحى المثالي سابقا ثم تنعطف مع الوجوديين لكي تصل الى فلسفة ما بعد الحداثة او ما بعد البنيوية Post-structuralism.

والتحليل هو السمة البارزة في فلسفة فتجنشتاين ونستطيع القول أن الفلسفة عند فتجنشتاين هي التحليل، يستخدم فتجنشتاين التحليل كمنهج في الفلسفة لا كغاية فلسفية فهو لا يستهدف التحليل لمجرد تقسيم العالم الى مجموعة من الوقائع وهو يستخدم التحليل لغرض توضيح المشكلات الفلسفية والتي في معظمها كما يقرر هو عبارة عن مشكلات زائفة أو أنها ليست بمشكلات أصلا، وقد عبر عن هذا الفهم بقوله ( اِن معظم القضايا والاسئلة التي كتبت في أمور فلسفية ليست كاذبة بل هي خالية من المعنى وأن معظم القضايا والاسئلة ا لتي يقولها الفلاسفة أنما تنشأ عن حقيقة كوننا لانفهم منطق لغتنا »5 .

بالإضافة الى الاتجاه التحليلي، والذي يتكون من نظريات أساسية منها : النظرية الوصفية « راسل »، النظرية التصويرية « فتغنشتاين الأول »، نظرية الاستعمال والألعاب « فتغنشتاين الثاني »، النظرية العنقودية « سييرل »، النظرية السيكلوجية « غرايس ».....نجد ايضا اهم منعطف لازم المنعطف والتحول اللغوي وهو التأويل الهيرمينوطيقي .

2.2. الاتجاه التاويلي

يختلف هذا التيار مع الاتجاه التحليلي في مفهوم كل واحد منهما للغة، وللمناهج التي يجب اتباعها، الّا أنهما يتفقان في إعطاء اللغة مركز الصدارة في الاهتمام الفلسفي فاعتبر مؤسس التاويلية « غادامير » انّ الكائن او الوجود الوحيد الذي يمكن فهمه هو الوجود اللغوي، وانّ اللغة والفهم يحدّدان علاقة الانسان بالعالم، والتأويلية هي كل محاولة للفهم نابعة من اللغة، وكل قراءة هي جهد بغرض الفهم، أي كل قراءة هي تأويل لذلك فالتّاويلية هي فلسفة عملية او تطبيقية.

لقد أحدث الانعطاف التّأويلي انطلاقا من التأثيرات البيّنة، والتي أظهرت آفاقا نحو البحث في موضوعات علوم النّص متّجهة نحو براديغم التّأويل والذي أصبح بدوره ينظر إلى النّص بنظرة مغايرة عن النظرة التقليدية الموصوفة بالانعزالية والمنطوية؛ نحو بناء أشكال جديدة في العلاقة بين النص ومكنوناته اللّغوية واللّسانية والتّأويلية أي نحو التّفاعل والتّذاوت .

واحتلّ التّاويل أو بالأحرى « الوعي التّأويلي » المعاصر conscience herméneutique النّظرة الشّمولية المنفتحة والمتشبّعة بروح الهيرمينوطيقا التي ترفض ادخال النّص الفلسفي بتنوّعه تحت دائرة التّنميط أو القولبة.

ويمكن القول أنّه ومع ثورة التّاويلية، وتوسّع مجال اللّسانيات بات من الضروري التّخلي عن المعرفة والتّفسير الذي يسعى إلى تشديد القبضة المنهجية على النّصوص؛ والانعطاف نحو التّعامل السّلس والمرن، وذلك بفضل تنامي روح النّقد ورفع الوصاية التي لازمت النص الفلسفي اللغوي وأخضعتها للقالب البنيوي والتّصويري وغيرها من المناهج المسيطرة، نحو بناء المعنى وفتح الطريق لمعالجة القضايا الفلسفية بتحليل اللغة والبحث في مكنونات القضايا وعلاقتها بالفكر والواقع والمنطق6

ويرى « فتغنشتاين » ان من يبحث وفق منهج تفسيري لا يمكن ان يتعدى بحثه حدود القانون والوصف، ولكن طريق التعامل مع قواعد اللّغة التي ستفرز التّوافقات المفعمة بالمعنى دون التوافقات عديمة المعنى7

من هذا المنطلق اعتمدت التّأويليات بالإضافة الى المقاربة اللّسانية المعاصرة على إعادة صياغة إشكالية البحث والتّعامل مع معطيات النّص اللغوية والدلالة اللّسانية المعاصرة حسب قراءات فتغنشتاين على انه« ليس للجملة معنى الا في نطاق نظام لغوي فيصبح النحو محور المقارنة الفلسفية »8

3.2. الاتجاه اللساني

ويعني تحليل الخطاب من خلال طرق دراسته او المجالات التي تكونه، او وظيفته كالتّركيب والدّلالة والتّداول والسيمياء، وتحليل الخطاب، ويتطلب مفهوم الخطاب في اللسانيات ضرورة تجاوز الجملة والاخذ في الاعتبار عوامل تداولية خارج اللغة والنّص l’extralinguistique أي تجاوز الحدود التي وضعتها لسانيات اللغة في دراسة النسق اللغوي، لذلك حسب الاتجاه اللساني فانّ تحليل الخطاب مفهوم متعدد polysémie .

3. المنعرج اللغوي في ظل المقاربة الهيرمينوطيقية اللسانية

1.3. المنعرج الهيرمينوطيقي اللساني

وعلى ضوء الإشكالية السالفة عالج « جاك بوفريس » في كتابه « التأويلية والالسنية » على أنّها محاولة في مواجهة مقاربة اللغة كما يدعو إليها الورثة المعاصرون للتّقليد الهيرمينوطيقي بالمعنى الأوسع، بمقاربة الفلاسفة الذين يستلهمون بشكل مباشر وتبعا للأوائل بشكل حصري جدّا من مناهج المنطق؛ واللّسانيات المعاصرة كما هي، محاولة للجواب عن سؤال معرفة الطريقة التي تدرك بها العلاقات الكائنة بين الألسنية بوصفها نظاما علميا خاصّا.9

ويقصد بذلك المنعطف النّحوي اللّساني بحيث يحتلّ هذا المفهوم « النّحو » grammaire مكانا أساسيا في فلسفة « فتغنشتاين » فهو يستعمله بمعنى خاص يقترب من علم الدّلالة، وهو نحو غير تقليدي كما وصفه « جاك بوفريس »، ويسمّيه ما وراء لغوي، او بتعبير فتغنشتاين ألعاب اللّغة أي انّ هذه الأخيرة لا تستطيع التّعبير عن شيء يتناقض مع الواقع، او عن شيء لا نعقله ولا نفهمه، وبالأخص الاستخدام الصحيح للغة « فالفلسفة كلها عبارة عن تحليل للغة »10

ومثل هذه العملية حسب « فتغنشتاين » « تستلزم أن يكون في امكان المنطق المضي خارج حدود العالم حتى يتسنى له أن ينظر إلى تلك الحدود من داخل العالم ومن خارجه »11

فالخطاب الفلسفي هو انعكاس للمشكلات التي تظهر عبر الزمن وتوحي بها أيضا صورة حياتنا، فيقول فتجنشتاين : « انّ ما نقدمه هو في الواقع ملاحظات في التّاريخ الطبيعي للموجودات البشرية، إنّنا لا نعرض شيئا غريبا، وإنّما ملاحظات لا يشك بها احد، وإن كانت غائبة عن الملاحظة بسبب كونها موجودة امام اعيننا »12

فيعتبر« فتغنشتاين » أنّ هناك حدودا بين القول والإظهار، فلا يقصي ما هو خارج حدود المعنى، فهو يضيف بشكل مهم أنّه ما لا يمكن صياغته في قضايا يمكن التعبير عنها( أي لها معنى في قالب لغوي )، يمكن إظهاره فقط. ويقصد أنّه ما يمكن ان يُقال هو قضايا العلوم الطبيعية فقط، وبالتالي يخرج عدد هائل من الصّياغات إلى عالم الإظهار والتي يتم قولها واستخدامها في اللغة في نطاق الفهم والمعنى كالقضايا الميتافيزيقية والجمالية والأخلاقية، فهي تقع حسب تحديد « فتغنشتاين » على حدود المعنى، أي « رفض تفسيرها على أنّها تقرير للوقائع واعتبار الألفاظ مجرد أدوات أو وسائط تكتيكية والإهتمام بالكشف عن الألعاب بالالفاظ »13

فمجموعة تأويلات بعض القضايا الأخلاقية والجمالية والذّوقية والميتافيزيقية يصنّفها « فتغنشتاين » على انّها أشياء لا يمكن صياغتها في كلمات، بل تتجلى بذاتها... إي انّه يفتح لنا باب التّأويل الفينومينولوجي؟، فبالنسبة له « لا شيء ميت مثل الموت، لا شيء اجمل من الجمال نفسه »، الصورة التي يتم تمثيل الواقع تحتها هي ان الجمال والموت وما الى ذلك هي المواد النقية( المركزة)، في انّها موجودة في كائن جميل كمكوّن، الا اعرف هنا اعتباراتي الخاصة حول « الشيء » و « المركَّب »؟14

وهذا مايفسر في نظر فتجنشتاين الأصل اللغوي للمشاكل الفلسفية، وهذا أيضا ما يلخص التساؤل حول عدم تحقق أي تقدم للفلسفة بالشكل بالمعنى الدقيق لان ذلك يرجع الى ان لغتنا ظلت متطابقة مع نفسها وتقودنا مرارا وتكرارا نحو نفس الأسئلة.

هذا التحول الراديكالي في البحث الفلسفي والتأويل، الذي حاول فتجنشتاين تقديمه من شانه ان تعزيز فرص انتاج معاني وتوجهات جديدة وكذا الارتقاء بوعي الذات نحو نقد التقليد التأويلي والممارسات وبناء صور معاني الحياة البشرية . بمعنى ان « فتغنشتاين » « يعتبر انها ليست مسالة رؤية من جانبنا؛ فانّ فاعليتنا هي ما يكمن في صميم العاب اللغة 15

La démarche grammatical qui porte sur ce que nous disons ou plus exactement sur ce que nous sommes enclins à dire dans telle ou telle situation semble passer complètement a coté de ce qui est essentiel à nos expériences que nous les vivons, que nous éprouvons, que nous les ressentons16

يبدو أن النهج النحوي الذي يتعامل مع ما نقوله أو على نحو أكثر دقة ما نميل إلى قوله في هذا الوضع أو ذاك يفتقد تماما الى ما هو ضروري لتجاربنا التي نعيشها، وأننا نختبرها، وأننا نشعر بها.

قيرتبط النحو عند « فتغنشتاين » بألفاظ ودلالات لسانية بحيث تأخذ العلامة (الجملة) معناها في نطاق اللغة أو نظام العلامات الذي تنتمي إليه، « لذا ليس للجملة معنى إلّا في نطاق نظام لغوي فيصبح النحو محور المقارنة الفلسفية ويعبّر عن جوهر كل شيء مادام كل شيء واضح للعيان، الجوهر يعبّر عن النّحو والنّظام في مستوى الإنتظام الذي يعبّر عن القواعد أي قواعد اللعبة »17

2.3. منعرج فتغنشتاين اللغوي

من خلال استعمالات اللغة يخلص فتغنشتاين إلى أنّ الفلسفة ليست ممارسة تفسيرية وإنّما هي ممارسة وصفية فعوض أن نتّجه إلى البحث عن الحقيقة، فهي تساعدنا على معرفة الطرق التي تمكننا من الفهم والتّعامل مع عالمنا البشري.

انّ كلمة لعبة تستعمل على أنماط عديدة بحيث لا يمكن ان نجد موضوعا محددا تشير اليه الكلمة، بحيث لان كل معنى أي كلمة هو استعمال هذه الكلمة أي (القصد) او الهدف من وراء استعمال اللفظة .

فاللغة هي كلمات لها استعمالات تخرج عن نطاق وصف الأشياء، فهي اشبه ما تكون بلعبة بحيث يتوجب احترام والالتزام بقواعد هذه اللعبة ومن اجل الوصول الى الوضوح المطلوب لكل معنى لابدّ من العودة الى طرق استعمالها.

فقد اقترح فتغنشتاين بلورة نحو فلسفي خارج إطار النظرة المعيارية التي تتحكم في جملة الاستعمالات المشروعة للكلام وتترك الأشياء في حالاتها ضمن صيغها الطبيعية وحاول إيجاد نحو وصفي يلاحظ الشروط الفعلية لاستعمال للعبارات اللغوية ويعتبرها ضمن طرق تضامنها مع تجارب البشر في العالم.

لقد عبر مصطلح ألعاب الكلام عن هذا التوجه البراغماتي الجديد للغة الذي ينفتح على الوصف والانجاز ويرفض التعامل مع الكلام بوصفه وظيفة ويحيل الدلالة إلى استعمالات القوى الفاعلة في مختلف أحداثها.

فيقول :« أن نفهم جملة هو أن نفهم كلاما، وأن نفهم كلاما يعني أن نتحكم في تقنية »18

واللغة بحسب « فتغنشتاين » هي قصدية وتؤدي الفلسفة فيها دورا علاجيا لامراض اللغة الناتجة عن سوء استخدام الالفاظ والعبارات التي تعدّ سبب المشكلات الفلسفية. فيقرر أيضا انّ معنى العالم خارج عن العالم « ولو كانت هناك قيمة لكان عليها ان تقوم خارج نطاق جميع الاحداث والوقائع لان الاحداث والوقائع جميعها عرضية »19

3.3. المعنى والاستعمال

فنظرية « فتغنشتاين » في المعنى تختلف عن عملية بناء نظام من الاشكال المنطقية ( الرسالة سابقا) ن فقد أصبحت نظريته تنظر نحو القضاء على نوع خاص من الحيرة الذي كانت الفلسفات التقليدية تنظر اليه في معالجتهم للعديد من المشكلات الميتافيزيقية الناتجة عن سوء فهم فروض التماثل اللفظي....ومن هنا اتجه اهتمام « فتغنشتاين »نحو الكشف عن المعاني الدقيقة للعبارات او الكلمات من خلال استعمالاتها الحقيقية في صميم اللغة العادية 20

فالتأويلية التي اهتم بها »جاك بوفريس« في فلسفة »فتجنشتاين« هي التي تريد أن تكون « فلسفية » وتتعنون بذلك وتزعم منح الفلسفة الموضوع والمنهج اللذان يميِّزانها جذرياً عن مبادرة علمية دون الحكم عليها بالذاتوية والنّسبوية والتّاريخانية التي يبدو أنها مستخلصة من فرضياتها. بحكم أن الألسنية تبدو نظرية في « الكفاءة » الضمنية للمخاطِب القياسي الموضوع في شروط التبادل اللساني العادي، فهي تُفضِّل تصوُّرا سكونياً وآلياً للفهم، الذي تحلم التأويلية باستكماله أو تعويضه بمقاربة في اللغة التي تعترف أيضاً بالطابع الزمني والتاريخي والمبدع والطارئ ولا يُحصى لمشكل الفهم وكل ما يتعدَّى حدود الكفاءة اللسانية بالمعنى الحصري وربما أيَّ كفاءة أخرى من داخل مشكل الفهم المنظور إليه من ذاك الطابع.21

وتتجدّد أهمية النحو بالفلسفة في تحديد أهدافها فليس المطلوب منها اظهار الشكل المنطقي للقضية بل وصف التطابق بين القواعد والاستعمال.

خاتمة 

لقد اكد »بوفريس« ان التأسيس الفلسفي والهيرمينوطيقي للغة لدى » فتغنشتاين" كان نقطة تحول في الفلسفة المعاصرة وذلك لا يرجع الى النّتائج التي توصل اليها بقدر ما مرجع المنهج الذي اتبعه في بحثه والذي تنصل بشكل نهائي من قبضة النسقية النصية والدلالة النحوية المغلقة، وإعادة توجيه النظر نحو طبيعة العبارات التي يطلقها الانسان على العالم والاشياء لا الى البحث عنها؛ وهذه اللغة لا يقصد بها اللغة العادية كما جاءت مع بعض الفلاسفة(مور)، وانّما لغة الاستخدام أي انزال العبارات من المدلول الميتافيزيقي (التفسير الهيرمينوطيقي الكلاسيكي) الى استخدامها اليومي لقد تولدت فلسفة اللغة كما نعرفها اليوم على ثلاثة شروط : الأول، عن طرح سؤال اللغة والدلالة والمعنى على نحو جذري، والثاني، عن طرح في عبارات واستعمالات وصياغات جديدة أو حسب متطلبات جديدة، والثالث، عن الإلحاح المفكرين من آفاق مختلفة حول المشكلة التاويلات والعلاقات اللسانية التي تمكن من بناء لغة تؤدي دورها في فهم العالم والتعبير عنه بصفة مباشرة خالية من الإشارات المبهمة لتفتح المجال نحو تأويلية تؤدي دور الكفاءة اللغوية22”.عطاري، وليد. (2006). مفهوم الفلسفة في نظر فيتغنشتاين. مجلة المنارة، المجلد 13، العدد 1.

1 -زاوي بغورة، الفلسفة واللغة نقد المنعطف اللغوي في الفلسفة الغربية المعاصرة، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2005،ص 95 .

2 عطاري وليد، مفهوم الفلسفة في نظر فتجنشتين، مجلة المنارة، جامعة ال البيت، المجلد 13، العدد 1، 2006،ص 314-315.

3 Gadamer, l’art de compendre, tome 2, Paris, Aubier,1991, p.205-206.

4 Jean Jacques Rosat, Claude Romano et autres, Wittgenstein et la tradition phénoménologique, éditée par le cercle collection PHENO, France , 2008

5 زكريا إبراهيم، دراسات في الفلسفة المعاصرة، الجزء الأول، القاهرة، مصر، 1968،ص 254.

6 Anthony Kenny, The legacy of Wittgenstein, Blackwell,1984,p121.

7 -زيادة معن، الموسوعة الفلسفية العربية، معهد الانماء العربي، الطبعة الأولى، 1986الجزء الأول، ص 607.

8 فتجنشتاين، لودفيج، تحقيقات فلسفية، ترجمة عبد الرزاق بنوّر، الطبعة الأولى، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2007، ص343.

9 Jacques Bouveresse, Herméneutique et linguistique suivi de Wittgenstein et la philosophie du langage, Paris, éditions de l’Éclat, coll. « Tiré à

10 9عزمي اسلام، لودفيج فيتجنشتاين، سلسلة نوابغ الفكر الغربي، مصر، دار المعارف، ص 138.

11 مجلة جامعة بابل للعلوم الإنسانية، التحليل في فلسفة فتغنشتاين، المجلة 19، العدد 1، 2011، ص 15.

12 Rorty, R, philosophy and the mirror of nature, Princeton university,1979, p145.

13 زكريا إبراهيم، دراسات في الفلسفة المعاصرة، دار مصر للطباعة، مصر، ص 265.

14 Jaques Bouveresse, herméneutique et linguistique, ibid, p75.

15 Wittgenstein, On Certainty, ed, by G.E.M. Anscombe &G.H. von Wright, trans.by D Paul &G.E.M, Anscombe, Blackwell, Oxford, 1969-1975, p 204.

16 Jean Jacques Rosat, Claude Romano et autres, Wittgenstein et la tradition phénoménologique, éditée par le cercle collection PHENO , France , 2008

17 عزمي اسلام، لودفنغ فتجينشتاين، مرجع سابق، ص158.

18  Wittgenstein Ludwig, Investigations philosophiques, 1936-1939, édition Gallimard, Paris ,2001, p.52.

19 زكريا إبراهيم، دراسات في الفلسفة المعاصرة، مصدر سابق، ص 269.

20 المصدر نفسه، ص274.

21 -Jacques Bouveresse, Herméneutique et linguistique suivi de Wittgenstein et la philosophie du langage, Paris, éditions de l’Éclat, coll. « Tiré à

22 -أيريك غريلو، فلسفة اللغة، ترجمة عفيف عثمان، دار المعارف الحكمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2018،ص25.

إبراهيم، زكريا. (1968). دراسات في الفلسفة المعاصرة. القاهرة، مصر : دار مصر للطباعة.

إسلام، عزمي. (تاريخ غير معروف). لودفيج فيتجنشتاين. سلسلة نوابغ الفكر الغربي. القاهرة، مصر : دار المعارف.

بغورة، زاوي. (2005). الفلسفة واللغة نقد المنعطف اللغوي في الفلسفة الغربية المعاصرة. بيروت : دار الطليعة للطباعة والنشر.

جامعة بابل للعلوم الإنسانية. (2011). التحليل في فلسفة فيتغنشتاين، المجلة 19، العدد 1.

غريلو، أيريك. (2018). فلسفة اللغة. بيروت، لبنان : دار المعارف الحكمية.

معن، زيادة. (1986). الموسوعة الفلسفية العربية. الجزء الأول. الطبعة الأولى. المنظمة العربية للترجمة.

فتجنشتاين، لودفيج. (2007). تحقيقات فلسفية. (ع. بنوّر، العامل في الترجمة). بيروت : المنظمة العربية للترجمة.

Bouveresse, J. (1973). Wittgenstein : la rime et la raison (science, éthique, esthétique). Paris, France : Les Éditions de Minuit.

Bouveresse, J. (s.d.). Herméneutique et linguistique suivi de Wittgenstein et la philosophie du langage. Paris, France: Éditions de l’Éclat.

Kenny, A. (1984). The Legacy of Wittgenstein. Oxford, England : Blackwell.

Rosat, J. J., Romano, C., et autres. (2008). Wittgenstein et la tradition phénoménologique. France : Collection PHENO, Cercle.

Rorty, R. (1979). Philosophy and the Mirror of Nature. Princeton, NJ : Princeton University Press.

Wittgenstein, L. (1969-1975). On Certainty (G.E.M. Anscomb & G.H. von Wright, Éds.). (D. Paul & G.E.M. Anscomb, Trans.). Oxford, England : Blackwell.

Wittgenstein, L. (s.d.). Investigations philosophiques (1936-1939). Paris, France : Gallimard.

1 -زاوي بغورة، الفلسفة واللغة نقد المنعطف اللغوي في الفلسفة الغربية المعاصرة، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2005،ص 95 .

2 عطاري وليد، مفهوم الفلسفة في نظر فتجنشتين، مجلة المنارة، جامعة ال البيت، المجلد 13، العدد 1، 2006، ص 314-315.

3 Gadamer, l’art de compendre, tome 2, Paris, Aubier,1991, p.205-206.

4 Jean Jacques Rosat, Claude Romano et autres, Wittgenstein et la tradition phénoménologique, éditée par le cercle collection PHENO, France , 2008, p128

5 زكريا إبراهيم، دراسات في الفلسفة المعاصرة، الجزء الأول، القاهرة، مصر، 1968،ص 254.

6 Anthony Kenny, The legacy of Wittgenstein, Blackwell,1984,p121.

7 -زيادة معن، الموسوعة الفلسفية العربية، معهد الانماء العربي، الطبعة الأولى، 1986الجزء الأول، ص 607.

8 فتجنشتاين، لودفيج، تحقيقات فلسفية، ترجمة عبد الرزاق بنوّر، الطبعة الأولى، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2007، ص343.

9 Jacques Bouveresse, Herméneutique et linguistique suivi de Wittgenstein et la philosophie du langage, Paris, éditions de l’Éclat, coll. « Tiré à part », p. 9.

10 9عزمي اسلام، لودفيج فيتجنشتاين، سلسلة نوابغ الفكر الغربي، مصر، دار المعارف، ص 138.

11 مجلة جامعة بابل للعلوم الإنسانية، التحليل في فلسفة فتغنشتاين، المجلة 19، العدد 1، 2011، ص 15.

12 Rorty, R, philosophy and the mirror of nature, Princeton university,1979, p145.

13 زكريا إبراهيم، دراسات في الفلسفة المعاصرة، دار مصر للطباعة، مصر، ص 265.

14 Jaques Bouveresse, herméneutique et linguistique, ibid, p75.

15 Wittgenstein, On Certainty, ed, by G.E.M. Anscombe &G.H. von Wright, trans.by D Paul &G.E.M, Anscombe, Blackwell, Oxford, 1969-1975, p 204.

16 Jean Jacques Rosat, Claude Romano et autres, Wittgenstein et la tradition phénoménologique, éditée par le cercle collection PHENO , France , 2008, p 12 .

17 عزمي اسلام، لودفنغ فتجينشتاين، مرجع سابق، ص158.

18  Wittgenstein Ludwig, Investigations philosophiques, 1936-1939, édition Gallimard, Paris ,2001, p.52.

19 زكريا إبراهيم، دراسات في الفلسفة المعاصرة، مصدر سابق، ص 269.

20 المصدر نفسه، ص274.

21 -Jacques Bouveresse, Herméneutique et linguistique suivi de Wittgenstein et la philosophie du langage, Paris, éditions de l’Éclat, coll. « Tiré à part », p10.

22 -أيريك غريلو، فلسفة اللغة، ترجمة عفيف عثمان، دار المعارف الحكمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 2018،ص25.

Djili Malika

مخبر الفينومينولوجيا وتطبيقاتها جامعة ابي بكر بلقايد تلمسان

© Tous droits réservés à l'auteur de l'article